قرية أكياد، مركز فاقوس، محافظة الشرقية، تمكنت بعد الثورة ولأول مرة منذ
26 عاما من تعليق صور ولافتات لابن قريتها الشهيد سليمان خاطر، مجند الأمن
المركزى، الذى ضحى بحياته مدافعا عن أرض مصر بعد صعود 12 إسرائيلياً التبة
التى كانت بها نقطة حراسته برأس برقة على الحدود المصرية بجنوب سيناء،
لاختراق الحدود المصرية.
«خاطر» منعهم من البصق على العلم المصرى وسب مصر، وتعامل معهم بسلاحه فقط،
فقتل 7 منهم، ثم لقى مصرعه فى ظروف غامضة داخل السجن الحربى فى 6 يناير عام
1986، بعد الحكم علية بالمؤبد فى القضية رقم 142 جنايات فى 28 ديسمبر
1985.
شباب القرية علقوا صورة «خاطر» عند مدخل القرية، ورفعوا صورا ولافتات تحمل
اسمه داخل القرية بعد أن كانت مباحث أمن الدولة تمنعهم من ذلك، كما احتفلت
القرية بسقوط الجهاز الذى عزل القرية لأكثر من 10 سنوات عن الحياة
السياسية، بمنع تعيين أى من أبنائها فى المناصب القيادية، وعدم دخول أى من
أبنائها الكليات العسكرية، إلى جانب اضطهاد عائلة خاطر من قبل أمن الدولة،
ومطاردتهم وحرمانهم من التعيين فى أى وظيفة حكومية، ومن أداء الواجب
العسكرى.
أسرة الشهيد فى بداية كلامها لـ«اليوم السابع» وجّهت الشكر للشباب المصرى
الذى استطاع القضاء على الظلم والفساد، وأضافت أن الثورة أتت بيوم الحساب
للنظام الفاسد بأكمله.
وأعلنت الأسرة عن تقديم بلاغ للنائب العام ضد الرئيس المخلوع حسنى مبارك
تتهمه فيه بقتل سليمان خاطر عمداً، وتقديمه كبش فداء لإرضاء الرأى العام
الإسرائيلى، وطالبت الأسرة فى بلاغها برد حقوق «خاطر» المعنوية والمادية،
مناشدة كل زملائه فى نقطة الحراسة والسجناء الذين كانوا معه بضرورة الإدلاء
بشهاداتهم. عائلة «خاطر» قررت الكشف عن هوية سليمان خاطر السياسية بعد 26
عاماً من استشهاده، معلنة انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين، حيث كان ضمن
فصيل وحدة التدريب للجماعة بقرية أكياد، مفسرين احتفاظهم بهذا السر طيلة
السنوات ماضية حتى لا يتم تفسير موقف الشهيد على أنه عملية مدبرة، لأنها
كانت عملية بطولية لجندى كان يحافظ على أرضه، وعلى نقطة حراسته التى تحتوى
على جهاز استطلاع نادر وقتها، حيث لا يوجد على الحدود حينها غير جهازين،
واحد مع الشهيد والثانى مع زميل له فى نقطة حراسة مجاورة، غررت به إحدى
المجندات الإسرائيليات جنسياً وسرقت الجهاز، وتم قتل المجند بعدها، فكان
سليمان حريصاً على هذا الجهاز، حتى لا يضيع على مصر أيضاً، وكان حريصا على
ألا يدنس أى إسرائيلى بقدمه أرض سيناء.
ودللت الأسرة على إخوانية «خاطر» بكتابته شعار الإخوان: «الله أكبر ولله
الحمد.. القرآن دستورنا والرسول قدوتنا» على براميل بوابة النقطة، كما أضاف
أبناء أشقاء الشهيد، ومنهما عبده وسليمان، أنه زرع فيهم النزعة الدينية
منذ الصغر، حيث كان يوقظ البيت بكامله لصلاة الفجر، كما أقام مسابقات
لتحفيظ القرآن بين الأطفال.
أحمد عوضين، زوج شقيقة سليمان خاطر وأقرب أصدقائه، يقول إنه بدلاً من صدور
قرار بمكافأته على قيامه بعمله، صدر قرار جمهورى من الرئيس مبارك مستغلاً
سلطاته بموجب قانون الطوارئ، بإحالة «خاطر» إلى محاكمة عسكرية.
عبدالحميد، الشقيق الأكبر لسليمان خاطر، يقول إنه بعد أن نطق القاضى اللواء
مصطفى دويدار، رئيس المحكمة، بحكم بالمؤبد نزل من على المنصة وتوجه ناحية
القفص، وقال لسليمان: «أنت رجل يا سليمان، أنا لو كنت مكانك لفعلت مثلك»،
كما أضاف عبدالحميد أنه أثناء المحاكمة قال سليمان للقضاة : «أنا لا أخشى
الموت ولا أرهبه، إنه قضاء الله وقدره، لكننى أخشى أن يكون للحكم الذى سوف
يصدر ضدى آثار سيئة على زملائى، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم».
ويكمل عبدالحميد: «بعدها تم نقل سليمان إلى السجن الحربى بمدينة نصر، وقبل
وفاته بيوم واحد فوجئنا بتصريح زيارة للأسرة جاءنا على مركز فاقوس على غير
العادة، وتم استدعاؤنا بشكل فورى، وبالفعل ذهبنا لرؤيته، ووصلنا بعد انتهاء
مواعيد الزيارة، ومع ذلك تم السماح لنا بزيارته، وجلس معنا أكثر من
ساعتين، وطلب منا كتب كلية الحقوق، حيث كان منتسبا للفرقة الثالثة بالكلية،
جامعة الزقازيق، وفرشاة ومعجون أسنان وبعض الملابس، وسمح مأمور السجن
وقتها أحمد عبدالهادى بحضور موظف من الشهر العقارى لأخذ توقيعه على توكيل
بإدارة أرضه الزراعية للأسرة، وفى اليوم التالى ذهب شقيقة الثانى عبدالمنعم
مع موظف الشهر العقارى لإحضار التوكيل، فلم يسمح لهما بالدخول إلى السجن،
وبعدها بساعة سمعت الأسرة من الإذاعة المصرية أنه شنق نفسه بملاءة السرير،
وقال الطب الشرعى إن الانتحار تم بقطعة قماش، فهرعت إلى المستشفى ووجدت
الجثة وبها آثار خنق بآلة تشبه السلك الرفيع على الرقبة، وكدمات على الساق
تشبه آثار جرجرة أو ضرب. وأضاف عبدالمنعم خاطر أنه علم ليلة وفاة شقيقه
بزيارة وفد إسرائيلى له بدعوى إجراء لقاء صحفى معه، وأنهم هم الذين قتلوه،
كما أكد السجناء أنه فى ليلة قتله تم إخلاء الدور الذى كانت به زنزانته من
السجناء، وتجمعيهم فى زنزانة واحدة، كما أنهم سمعوا صوت استغاثة سليمان
ومقاومته.
وأمام كل ما قيل، تقدمت أسرته بطلب لإعادة تشريح الجثة عن طريق لجنة مستقلة
لمعرفة سبب الوفاة، وتم رفض الطلب، مما زاد الشكوك. وأضاف عبدالمنعم أنه
أقام فى نفس العام دعوى قضائية ضد مبارك لاتهامه بقتل شقيقه، لكن تم رفض
الدعوى، وتم اعتقاله من قبل أمن الدولة لمدة 3 أشهر.