بعد يومين فقط من نجاح ثورة المصريين في إسقاط نظام مبارك، أمسك الجيش
بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي زمام الأمور في مصر، وحل البرلمان، وعطل الدستور،
في الوقت الذي أكد فيه أحمد شفيق، رئيس الوزراء، الذي عينه مبارك قبل رحيله، أن
أولوياته هي الاستقرار والأمان ومنع الفوضى والاضطرابات، وهو نفس ما كان يردده
مبارك طيلة الوقت قبل رحيله.
وقد حاولت قوات الجيش بشكل سلمي تنفيذ
ما وعد به المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عندما قامت بإخلاء المتظاهرين من ميدان
التحرير، لإعادة الحياة إلى طبيعتها بعد 20 يوما من توقف الحركة في الميدان، ورغم
أن المحتجين قابلوهم في البداية بالتحية وعرضوا عليهم طعاما ومشروبات، فإن واحدا من
الجنود حاول فض المعتصمين بالقوة، ما أدى إلى وقوع بعض الاشتباكات، وللحظة بدا
سيناريو 28 يناير قابل للتكرار.
ورغم عدم استفحال الاشتباكات، فإن ما حدث
أعاد إلى الأذهان القلق من اشتداد قبضة الجيش على مقاليد الأمور، كما كان العهد
أيام مبارك، لا أحد في مصر الآن يعترض على حل البرلمان، فقد كان مزورا، وطالب
الجميع بحله من قبل، لكن القلق الأكبر ينبع من عدم قيام المجلس الأعلى للقوات
المسلحة بتحديد فترة زمنية معينة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، فضلا عن أن الجيش لم
يحدد ما إذا كان سيجدد فترة حكمه للبلاد بعد الستة أشهر القادمة.
وما زال
هناك قطاع كبير من شباب الثورة يطالبون بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وإلغاء
قانون الطوارئ الذي استمر 30 عاما، لكن الجيش رغم وعده بإلغاء الطوارئ، فإنه لم
يحدد متى ولا كيف سيتم تنفيذ ذلك؟ وإنما اكتفى بالقول "عندما تأتي الفرصة
المناسبة"، وهو ما يمنح الجيش كل السلطات لمنع المحتجين من التظاهر طالما بقي في
حكم مصر.
أما بخصوص إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فقد استمر المجلس
الأعلى للقوات المسلحة صامتا بشكل مثير للريبة فيه، وتساءل فيسك: هل هذا بسبب أن
بعض المعتقلين يعرفون أكثر مما ينبغي بشأن تدخل الجيش في دعم نظام مبارك السابق؟ أم
بسبب أن المعتقلين سيخرجون من السجون بقصص مرعبة عن التعذيب الذي تعرضوا له وبعضهم
كانوا في سجون يديرها الجيش بشكل خفي وليس أفراد الداخلية؟
وفي شهادة من أحد
أفراد المباحث لروبرت فيسك، أمس الأحد، أكد أن كل قادة الأمن الذين أطلقوا البلطجية
في شوارع القاهرة، وقتلوا أكثر من 300 شهيدا خلال الثورة، قد غادروا مصر بالفعل إلى
الخليج، ومعظمهم اختار السفر إلى أبو ظبي. أما هؤلاء المجرمين المأجورين الذين
أشاعوا الرعب في مصر، واعتدوا على المتظاهرين، وتم اعتقالهم فيما بعد، فربما يكون
اعتقالهم منعا للإفصاح عن هوية الذين استأجروهم من رجال الدولة
السابقين.
ولا أحد يعلم إذا كانت العدالة ستتخذ مجراها فيما بعد أم لا، هذا
كله متوقف على درجة السلطة التي ينوي الجيش أن يحكم بها البلاد، وما إذا كان سيسمح
بخروج مثل هذه المستندات للنور وخضوعها لقضاء جديد مستقل ونزيه.
وبالنسبة
لقوات الشرطة التي اختفت في جحورها قبل أن تحترق يوم الجمعة 28 يناير، فقد انقلبوا
أمس الأحد على وزارة الداخلية، بعد أن اندلعت مظاهراتهم المطالبين فيها بزيادة
الرواتب وتحسين أحوالهم، إن تحول أفراد الشرطة إلى متظاهرين ومحتجين في حد ذاته
يعتبر لحظة خالدة في المشهد المصري بعد الثورة.
أما الآن، فقد جاء الدور على
المصريين ليشاهدوا تأثير ثورتهم على جيرانهم العرب، المظاهرات اندلعت في العاصمة
اليمنية صنعاء، وكما تقلد الشعوب بعضها في الثورات، تقلد الأنظمة القمعية وسائل
بعضها للتصدي للمتظاهرين، حتى الفاشلة منها.