كان مشهد إعلان اللواء عمر سليمان – أول نائب رئيس لمصر منذ 30 عاما – "تخلي الرئيس
مبارك عن منصب رئيس الجمهورية" ، وهو حزين يكاد يبكي ، بمثابة كتابة شهادة وفاة
لمنصب عمر سليمان أيضا كنائب للرئيس بعد 14 يوما فقط قضاها في منصبه محاولا إعادة
الأوضاع إلي حالتها الطبيعية وأملا في أن ينتهي به المطاف ليصبح رئيس مصر في أواخر
2011 بعد تنحي مبارك رسميا وترشيح الحزب الوطني له بدون منافس في ظل قيود المادة 76
التي تمنع ترشح سوي الأحزاب ، وتضع قيودا تعجيزية علي ترشيح المستقلين (موافقة 250
نائبا من مجلسي الشعب والشوري و14 محافظة) .
فقد تم تعيينه في 29 يناير 2011 بعد
جمعة الغضب وما جري فيها من مجازر من قبل قوات الشرطة ضد الثورة الشعبية ، وانتهي
دوره مع تنحي الرئيس مبارك وتولي الجيش السلطة يوم الجمعة 11 فبراير 2011 ، ويختفي
عن الأنظار ولا يعرف مصيره بعدما كان مرشحا قبل عدة شهور فقط من نفس هؤلاء الشباب
كرئيس لمصر بدلا من جمال مبارك .
كل المؤشرات تؤكد أن الرئيس السابق حسني مبارك
كان وراء حرق صورة عمر سليمان ، بالتباطؤ في التنحي لنائبه بل وربما تعمد هذا ، ما
رفع مطالب الثورة يوما بعد يوم ليرتفع الشعار الشهير في ميدان التحرير ( لا مبارك
ولا سليمان .. الشعب يريد إسقاط النظام ) ، كما أن تصريحات نائب الرئيس الجامدة
والصارمة ، التي أظهرته كصورة بالكربون للرئيس مبارك وكممثل للنظام السابق في اتباع
نفس الطرق المتعالية في مطالبة المتظاهرين بإخلاء التحرير والذهاب لمنازلهم فورا
والتهديد بأن البديل هو الانقلاب والحكم العسكري الذي قال – لرؤساء تحرير الصحف -
إنه قد يقوم به الجيش أو الإخوان أو المخابرات .. أو بنفسه ، كل هذا شوه صورته أيضا
وعجل بنهايته مع نهاية النظام !.
فقبل أن يحرق مبارك صورة عمر سليمان - الذي
تولي كافة الملفات الخارجية الصعبة خصوصا القضية الفلسطينية والسودان وملف المياه -
كان سليمان هو المرشح الأبرز لخلافة مبارك مستقبلا عندما تنتهي ولاية مبارك حيا أو
ميتا ، وكانت هناك صفحات علي الفيس بوك وشعارات توزع في شوارع القاهرة تقول : (لا
جمال ولا الإخوان .. عايزين عمر سليمان) ، ردا علي شعارات أخري وزعها مؤيدون لجمال
مبارك في الشوارع تطرح اسم جمال كمرشح للرئاسة في انتخابات 2011 بدلا من والده
.
ويقول مراقبون ومقربون من الرئاسة ، إن تصرفات الرئيس السابق مبارك كانت توحي
أنه – أو زوجته - يعد نجله (جمال) للرئاسة بعده ، بدليل أنه رفض تعيين نائب له عدة
مرات وقال تصريحات متضاربة غير مقنعة في وسائل الإعلام الأجنبية منها أنه لا يجد
بين المصريين من يصلح لهذا المنصب (80 مليونا !) ، أو أنه لا يرغب في أن يحدد من
يحكم بعده ، ولكن بالمقابل كان نجم نجله يصعد بصورة واضحة وإعداده للرئاسة يجري علي
قدم وساق ، بدليل الكشف مؤخرا عن أن مبارك أمر بتسليم جمال نسخة من كل الأوراق
الرسمية التي تعرض عليه ، ولكن اندلاع الثورة واستهدافها عائلة مبارك تحديدا دفعت
مبارك مضطرا لاختيار عمر سليمان نائبا له لضمان أن يحميه – كرئيس مقبل – بعد انتهاء
فترة رئاسته في سبتمبر المقبل كما كان يتمني ، معتمدا علي تقارير سابقة تقول إن
شباب الفيس بوك سبق أن رشحوا عمر سليمان كنائب .
بيد أن تأخر قرار مبارك –
كالمعتاد – في ظل اندفاع الثورة وتحقيقها مكاسب تلو الأخري وانضمام الملايين لها من
أصحاب المظالم في مصر ، أحرق صورة سليمان السابقة لدي المتظاهرين ونظروا له علي أنه
استمرار لذات النظام الذي رفعوا شعار إسقاطه ، وساهمت طريقة عمل سليمان وجموده
وتصريحاته المستفزة للشباب في وضع النهاية الأخيرة له كأول نائب يأتي بعد 30 سنة ثم
يترك منصبه مجبرا بعد أسبوعين فقط في الحكم .
ولا يعرف ما إذا كان سليمان سيعود
لترشيح نفسه عندما يفتح باب الترشيح للرئاسة عقب تعديل الدستور أم لا ، خاصة أن
مصادر نقلت عنه - قبل تنحيه مع مبارك – أنه لا يرغب في الترشح للرئاسة ، أم يعود
لرئاسة جهاز المخابرات ، أم ينتهي به المطاف لمقاعد المتقاعدين في ظل التغييرات
الجذرية المتوقعة في المناصب مستقبلا ، وما نشر عن علاقاته القوية مع أمريكا
وإسرائيل لحد إعلان إسرائيل أن ترشيحه للرئاسة (مصلحة إسرائيلية عليا) ما زاد من
تشويه صورته لدي الثوار .