مركز دراسات أمريكى يتحسر على مبارك ويؤكد: الرئيس المخلوع استطاع
إبعاد مصر عن الحروب الإقليمية والتمرد الإرهابى.. عدائية القاهرة لواشنطن
وتل أبيب تجبر دول الخليج على إعادة هيكلة علاقاتها معهم تحت عنوان "الزلزال" كتب جون ألترمان، مدير
برنامج الشرق الأوسط فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالولايات
المتحدة، عن مدى أهمية الدور الذى تلعبه مصر كقوى إقليمية فى الشرق الأوسط،
وكيف تسبب سقوط الرئيس السابق، حسنى مبارك فى 11 فبراير المنصرم فى
"زلزال" اهتزت ولا تزال تهتز له المنطقة بأسرها، فرغم أن مصر فقدت منذ أمد
بعيد عباءتها كقائد للعالم العربى، إلا أنها لا تزال تمثل بكل تأكيد مركز
جاذبيته، والوضع الذى سيئول إليه المشهد السياسى- الذى يسوده عدم التقين -
سيشكل العقود المقبلة.
وقال ألترمان، إن مصر بالنسبة لملايين العرب، تمثل بلدا "قريبا"، فالمصريون
فى كل مكان فى الشرق الأوسط، يؤيدون أدوارهم كأطباء ومدرسين وعمال،
والممثلون المصريون يهيمنون على صناعة السينما، بينما يهيمن المطربون على
الساحة الغنائية، ويهيمن الكتاب والمحررون على غرف الأخبار، فضلا عن أن
العرب يأتون إلى مصر من أجل العمل والمتعة، ليملأوا غرف الفنادق نهارا
والنوادى ليلا.
أضاف، أن مغادرة مبارك من السلطة تلقى بظلال الشك حول اليقين الذى ساد
العالم العربى على مدار عقود، فعلى مدار ثلاثة عقود، فضل الاستقرار عن أى
شىء آخر، وما افتقر إليه فى الإبداع عوضه بقدرته على معرفة ماهية الأوضاع،
فمبارك كان من أكثر الزعماء "الحقيقيين" الذين تمكنوا من توجيه دفة بلادهم
بعيدا عن الحروب الإقليمية والتمرد الإرهابى، والأهم من ذلك، استطاع أن
يعود بمصر إلى قلب العالم العربى بعدما صدق الرئيس الأسبق أنور السادات على
معاهدة السلام مع إسرائيل، الأمر الذى أدى إلى نبذها.
وفى الوقت الذى رسم فيه الزعماء العرب طريقهم خلال التحديات التى فرضها
عليهم العقدين الماضيين، لعبت مصر دورا مركزيا، إذ كان مبارك متصدرا الجهود
لإخراج صدام حسين من الكويت عام 1991، كما مثل رفضه للهجوم على صدام عام
2003 محورا هاما أثر على التفكير العربى، وتبنى مبارك نهجا حريصا مع
إسرائيل، وأبقى على غطاء على غزة، فى الوقت الذى حافظ فيه على مسافة من
الإسرائيليين حتى يحصل الفلسطينيين على حقهم، الأمر الذى حظى بقبول واسع فى
المنطقة.
ورحب كذلك عرب الخليج بتحذير مبارك الصريح بشأن أنشطة إيران المزعومة فى
مصر، فالنسبة لهم هذا أظهر مدى فطنته، فهو كان استراتيجيا ماهرا، وعلم أن
العالم العربى ملئ بـ"الأعداء".
ومضى ألترمان يقول، إن مغادرة الرئيس مبارك المفاجئة من المشهد السياسى
خلفت وراءها فراغا، يخشى العرب أن يملؤه شخص عدائى يعارض مصالحهم، وهنا
تظهر عدم وحدة الدول العربية، وإذا ما صدق المرء ما يقال فى شوارع القاهرة،
فسيكون القطريون وراء جماعة الأخوان المسلمين، والسعوديين يدعمون
السلفيين، والإسرائيليين راضون عن الجيش وفلول الحزب الوطنى، وهلم جرا،
ورغم أنه لا يوجد تقييما واضحا للجهة التى يؤيدها الإيرانيون، إلا أن
الاعتقاد السائد هو أنهم يسعون لتحقيق مصالحهم.
وقال ألترمان، إنه فى حال تغير السياسة المصرية وتبنيها نهجا مختلفا، فهذا
سيعيد هيكلة البيئة السياسية من المغرب إلى الخليج، وعدائية مصر ضد
الولايات المتحدة ستجبر الدول الأخرى على إعادة موازنة علاقتهم معها، وتردد
مصر فى مناوشة إسرائيل سيدفعهم لإعادة التفكير فى موقفهم مع إسرائيل.
وبصورة مماثلة، إذا غذت مصر التشدد الإسلامى فستكون جبهة للتشدد فى جميع
أنحاء المنطقة، واندلاع معارك الولاية والوكالة فى مصر سيبلبل أوضاعها، بل
ويهدد بعودة اضطرابات لبنان إلى دولة يزيد تعداد سكانها عن 80 مليون نسمة.
وما يدعو للخوف خاصة بالنسبة لكثير من دول مجلس التعاون الخليجى، هو غياب
دور مصر على صعيد الشئون الإقليمية، وإذا حدث ذلك، فستشعر تلك الدول بأنها
تعرضت للكشف، فهم طالما خشوا إيران، فضلا عن أنهم لا يثقون فى العراق، التى
يهيمن عليها الشيعة، والتنسيق مع إسرائيل أمرا غير متوقع، والمغرب
والجزائر إحدى دول شمال أفريقيا، تبعدان عاطفيا وجسديا لمنحهما الثقة التى
يريدوها، فبدون مصر سيشعرون بالضعف، وكأنهم تركوا للاعتماد على حكومة
الولايات المتحدة، التى يرون أنها كانت غير كفأ فى العراق، وغير فعالة فى
أفغانستان، ولا تزال تتناحر مع إيران.
وأضاف ألترمان أن وزن مصر يحمل أهمية أكبر من قدرتها العسكرية، فدونها
الكثير من الزعماء العرب يخشون أنهم معرضون للخطر واحدا تلو الآخر.
ورغم أهمية مصر الإقليمية، إلا أن العالم يترقب ليرى ما الذى ستئول إليه
الأوضاع، فلم يكن هناك استثمارات كبيرة، أو شراكات جديدة، ويعانى الاقتصاد
من ضعف كبير، سيتضح هذا الصيف، عندما تبدأ الحملات الانتخابية، وبهذه
الطريقة ستدخل مصر مرحلة كبيرة من الانفتاح السياسى، وفى الوقت نفسه فوضى
اقتصادية كبيرة.
واختتم الكاتب قائلا، إن هؤلاء الذين يتقون إلى رؤية مصر معتدلة ينبغى أن
يساعدوا فى خلقها، وكل منهم لديه أدوات مختلفة، فعلى سبيل المثال، ينبغى
على الولايات المتحدة أن تعلن استئناف مفاوضات التجارة الحرة، الأمر الذى
سيكون مؤشرا على الثقة للاتجاه الذى ستسير عليه البلاد فى الفترة المقبلة.
وأوصى ألترمان بأن الشركات الأمريكية، ينبغى أن تستثمر فى تدريب الشباب
المصرى وإعداده للعمل فى وظائف ذات كفاءة عالية، كما ينبغى أن تستثمر دول
مجلس التعاون الخليجى فى مصر خاصة فى القطاعات التى ينتج عنها وظائف.