المعلم يترك تدريب الفراعنة بذكرى ثلاثية تاريخية
بعد نحو ست سنوات ونصف على رأس الجهاز الفني للمنتخب المصري، قرر حسن شحاتة وضع نقطة النهاية في مسيرته مع الفريق كمدرب تاركا للجماهير ذكرى ثلاثية تاريخية لكأس الأمم الأفريقية عجز عن تحقيقها بشكل متتال أي من مدربي القارة.
وكان شحاتة قد تقدم باستقالته ظهر الاثنين بعد فشل المنتخب الوطني في التأهل لنهائيات كأس الامم الافريقية المقامة في غينيا والجابون 2012 بعد التعادل مساء الأحد مع جنوب افريقيا.
وبالرغم من حزن المشهد الختامي لمسيرة شحاتة (61 عاما) مع المنتخب بعد الفشل في بلوغ نهائيات كأس الأمم المقبلة، فإن ولاية "المعلّم" شهدت لحظات انتصار أكثر من الانكسارات.
وتعود قصة شحاتة مع المنتخب إلى وقت ما كان نجم فريق الزمالك أحد قطبي الكرة المصرية بين عقدي الستينيات والسبعينيات، فبزغ نجمه كمهاجم بارع في كأس الأمم 1974 بالقاهرة فاختير كأفضل لاعب في المسابقة إلا أن الإنجاز لم يكتمل باكتفاء بلاده بالمركز الثالث.
وأثناء فترة لعبه اكتسب شحاتة لقب "المعلّم" خاصة بعدما قاد الزمالك إلى لقب الدوري المصري عام 1978 بجانب ثلاثية الكأس أعوام 1975 و1977 و1979.
وأضفى شحاتة على لقب "المعلّم" نكهته الخاصة بشعره الطويل المجعد وشاربه الكث، وهو المظهر الذي حافظ عليه حتى عودته إلى المنتخب كمدرب وليس كلاعب.
وبعد قراره الاعتزال عام 1983 بدأ شحاتة مسيرته التدريبية بفريق الناشئين بالزمالك، ثم طاف على عدد من الأندية المصرية غير الكبيرة كما خاض تجربة العمل في الخليج وليبيا.
وبدأت نقطة التحول في مسيرة شحاتة التدريبية حين أسندت إليه مهمة الإشراف على منتخب الشباب دون 20 عاما فقاده إلى الفوز بلقب كأس أفريقيا 2003 في بوركينا فاسو وبلوغ الدور الثاني في مونديال الإمارات بنفس العام.
وقدم شحاتة للجماهير المصرية عبر ذلك الفريق من تحولوا إلى عماد المنتخب الأول لاحقا مثل لاعبي الوسط أحمد فتحي وحسني عبد ربه وثنائي الهجوم عمرو زكي وعماد متعب، والظهير الأيسر الراحل محمد عبد الوهاب.
وتولى شحاتة بعد ذلك تدريب فريق المقاولون العرب فقاده إلى الفوز بكأس مصر 2004 على حساب العملاق القاهري الأهلي، ثم كأس السوبر في نفس العام على حساب فريقه القديم الزمالك.
وبينما كان شحاتة يحتفل مع المقاولون بالعودة لأمجاد الثمانينيات وأواسط التسعينيات، كان المنتخب المصري يسير بخطى متعثرة في تصفيات كأس العالم 2006 مع المدرب الإيطالي ماركو تارديللي.
فبعد أن فاز المصريون بسهولة على السودان في الخرطوم، تعرضوا لخسارة غير مسبوقة أمام كوت ديفوار في الإسكندرية، ثم تعادلوا بشق الأنفس مع مضيفتهم بنين، قبل أن يعود الأمل بفوز صعب على الكاميرون.
ولم يستطع تارديللي الصمود أمام الضغوط بعد أن خسر أمام الجارة ليبيا، فصدر قرار رحيله والاستعانة بشحاتة بشكل مؤقت في أكتوبر أول 2004 بشكل مؤقت لإنهاء التصفيات.
وصحح "المعلّم" أوضاع "الفراعنة" سريعا، فرد الاعتبار بفوز كاسح على ليبيا والسودان وبنين في القاهرة وحقق تعادلا غاليا مع الكاميرون في ياوندي، بيد أن هزيمته في كوت ديفوار بهدفين أجهضت الآمال في تحقيق معجزة.
وقرر اتحاد كرة القدم المصري بعد ذلك تمديد عقد شحاتة حتى نهائيات كأس الأمم الأفريقية 2006 في القاهرة والتي أقيمت في ضغط جماهيري شديد على لاعبي الفراعنة الذين توجوا بالكأس في النهاية على حساب كوت ديفوار بركلات الترجيح.
وشهدت تلك البطولة أولى ملامح الصرامة لدى شحاتة بعد صدامه مع المهاجم أحمد حسام "ميدو" في مباراة السنغال بالدور نصف النهائي إذ أعرب لاعب توتنهام الإنجليزي وقتها عن رفضه لاستبداله.
وبعد شد وجذب بين اللاعب ومدربه في لقطة تحولت إلى واحدة من أشهر مقاطع الكوميديا وأكثرها تداولا على الإنترنت، سجل البديل عمرو زكي فور نزوله هدف الفوز ليكسب "المعلّم" احترام الجماهير خططيا.
وربح شحاتة عقدا جديدا حتى نهائيات 2008 في غانا والتي لعب تصفياتها بطريقة 4-4-2 قبل أن يعود إلى 3-5-2 في النهائيات التي احتفظ فيها باللقب بعد أن أزاح في الطريق الكاميرون (مرتين) وكوت ديفوار.
وفور العودة من غانا، اتضحت ملامح الهدف المقبل، فصرح قائد الفراعنة أحمد حسن في المطار بأن اللاعبين عازمون على بلوغ نهائيات كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا.
وعلى عكس المتوقع، واجهت مصر صعوبة بالغة في المرحلة النهائية من التصفيات فأهدرت نقطتين في القاهرة بالتعادل مع زامبيا، ثم خسرت أمام الجزائر في البليدة بشكل مهين، قبل أن يفطن لاعبوها أن عليهم لعب كأس القارات وسط هذا الضغط.
قدم شحاتة مع المنتخب مباراتين في كأس القارات ستبقيان عالقتين بالذاكرة طويلا، فخسر في الدقيقة الأخيرة أمام البرازيل 3-4 ثم حقق فوزا تاريخيا على إيطاليا بطلة العالم وقتها بهدف، رغم غياب عدد من نجوم الفريق مثل زكي ومتعب للإصابة.
وبعد أن أضيف لاعبون آخرون إلى قائمة الإصابات وعاب عدم الجدية البعض الآخر، خسرت مصر أمام الولايات المتحدة بثلاثية وودعت البطولة من الدور الأول لتعود إلى مهمة المونديال مرة أخرى.
فاز الفراعنة على رواندا ذهابا وإيابا ثم حققوا فوزا غير متوقع في زامبيا ليدخلوا المباراة الختامية ضد الجزائر في القاهرة والتأهل في متناولهم شريطة الفوز بفارق ثلاثة أهداف.
ووسط حرب إعلامية هائلة بين الطرفين، فاز المصريون بهدفين ولكنهم خسروا بهدف مباراة فاصلة في السودان بعدها بأيام ليضيع حلم الظهور المونديالي الثالث بعد إفراط في الثقة.
توقع غالبية المتابعين أن تكون كأس الأمم 2010 في أنجولا المحطة الأخيرة لشحاتة الذي لم يسبقه أي مدرب في البقاء ست سنوات على دفة سفينة المنتخب المصري، وهو الطرح الذي بات أقوى بعد أن عاد باللقب السابع في تاريخ الفريق.
وعادل شحاتة بذلك رقم المدرب الغاني تشارلز جيامفي الذي فاز باللقب ثلاث مرات، ولكن "المعلّم" كان أول من يفعلها بشكل متتال، كما أضاف خلال النهائيات بقية عمالقة القارة إلى ضحاياه مثل نيجيريا وغانا والجزائر التي ثأر منها برباعية في نصف النهائي.
وعوض المصريون شيئا من غيابهم عن المونديال بالتباهي ببلوغ المنتخب المرتبة التاسعة في التصنيف الخاص بالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
وبدلا من الابتعاد وإتاحة فرصة جديدة للتغيير، مدد شحاتة تعاقده مع المنتخب مرة أخرى واعدا بإحلال وتجديد إلا أنه واصل الاعتماد على اللاعبين المخضرمين مثل الحارس عصام الحضري (38 عاما) والمدافع وائل جمعة (35 عاما) ولاعب الوسط أحمد حسن (36 عاما).
وجاءت تصفيات كأس الأمم 2012 بشكل كارثي لشحاتة، ففي أربع مباريات تعادل مرتين وخسر مثلهما ولم يسجل سوى هدف واحد فقط مما تُرجم إلى عجز مصر عن التأهل لبطولتها المفضلة للمرة الأولى في تاريخها.
وأعاد عدم ابتعاد شحاتة في التوقيت المناسب بعد إنجاز أنجولا 2010 إلى الأذهان تجربة المدرب الإيطالي مارشيلو ليبي مع بلاده، فبعد أن قادها للقب كأس العالم 2006 ، خرج بفريق من المسنين من الدور الأول لنسخة 2010.
وتبدو الوجهة المقبلة لشحاتة محل جدل كبير بعد أن صرح بوجود عروض وفيرة قد تكون من الخليج أو غيره، ولكن الجدل الأكبر سيتعلق حتما بهوية خليفته.