أشادت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فى افتتاحية عددها الصادر اليوم،
الأربعاء، بتغير سياسة مصر الخارجية بشكل كبير، رغم خضوع البلاد للحكم
العسكرى، وعدم تشكيل حكومة دائمة، وقالت: رغم إن تغيرها يثير قلق كل من
الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إلا أن أغلب الظن أن هذا التغيير
سيصب فى مصلحتهما، لاسيما عندما تعود مصر لتتبوأ مكانتها القديمة، كقلب
للعالم العربى، بدلا من إيران أو أحد حلفائها المتمثلين فى سوريا.
وتحدثت الصحيفة الأمريكية عن كيفية تغير السياسة الخارجية، تلك السياسة
التى أشرفت الأسبوع الماضى على التوصل إلى اتفاق مصالحة بين الفصائل
الفلسطينية المتناحرة المتمثلة فى حركتى فتح وحماس، وهو الاتفاق الذى توصل
إليه الدبلوماسيون دون استشارة إسرائيل أو الولايات المتحدة.
وتدلل "واشنطن بوست" على مدى تغير السياسة الخارجية بعد الإطاحة بنظام
مبارك، بالإشارة إلى تصريحات كل من وزير الخارجية، نبيل العربى، والأمين
العام للجامعة العربية، عمرو موسى، التى أدليا بها لنفس الصحيفة فى حوارين
مختلفين، قائلة: إن الأول أكد أن القاهرة ستنهى حصار النظام السابق على
قطاع غزة، وستتحرك نحو تطبيع العلاقات مع إيران.. "مصر قلبت الصفحة مع كل
دولة فى العالم، وإذا كنت تريدنى أن أقولها، إيران ليست عدوا، ونحن ليس
لدينا أعداء فى أى مكان"، هكذا أكد العربى لليلى وايموث، محررة الصحيفة
البارزة.
وأثارت هذه الكلمات قلق الحكومة الإسرائيلية، التى رفضت المصالحة
الفلسطينية، وقلق البعض فى واشنطن الذين اعتادوا من مصر أن تكون حليفا
قريبا للولايات المتحدة، خاصة لكبح جماح الطموح النووى الإيرانى، وتوجيه
المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وترجح تصريحات كل من "العربى"، و"عمرو موسى"، التى أشارت إليها "واشنطن
بوست" ، أن مصر والولايات المتحدة سيختلفان قريبا بشأن معالجة مثل هذه
القضايا، المتعلقة بجدوى العقوبات على تعطيل الطموح الإيرانى.
وقال موسى، فى حواره مع "واشنطن بوست"، إن "القضية النووية فى الشرق الأوسط
تعنى إسرائيل ثم إيران. ورغم ذلك، فإن هناك مؤشرات على أن تغير السياسة
المصرية سينتهى بإفادة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
أولا، كل من العربى وموسى أكدا أن مصر ستبقى على معاهدة السلام مع إسرائيل،
وستعمل على تعزيز علاقتها مع واشنطن أكثر من أى وقت، وأنها ستدعم هدف حل
الدولتين السلمى فى الشرق الأوسط، بل إنها ستؤيد هدفا جديدا متمثلا فى
التغيير الديمقراطى فى العالم العربى، ذلك المفهوم الذى كان غائبا فى عهد
النظام السابق.
ومضت الافتتاحية تقول، إن سياسة مصر الخارجية السابقة اتسمت غالبا بكونها
"سامة"، فقد اعترضت على المبادرات الدولية الخاصة بالديمقراطية وحقوق
الإنسان، فضلا عن أنها باركت جهود الأمم المتحدة لوصم إسرائيل.
وعكفت السياسة الخارجية فى عهد النظام السابق على التعهد لواشنطن بوعود لم
تنفذها، مثل محاولتها التوسط للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل
وحماس، فى الوقت الذى تعرضت فيه الولايات المتحدة للوم بسبب القمع الداخلى
وضعفها الخارجى.
ورأت الافتتاحية أن مصر أكثر استقلالا وستسنح لها الفرصة لاستعادة دورها
التقليدى كقائد للعالم العربى، على حساب إيران وحلفائها، وإن تمكنت القاهرة
أن تحظى ببعض النفوذ الذى تحظى به إيران وسوريا على حماس، فستكون قادرة
على دفعها إلى التنازل الذى سيكون فى نهاية المطاف ضروريا لأى اتفاق سلام
فى الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، مصر بإمكانها أن تكون قوة تعمل على ضمان
أن مد التغيير الديمقراطى لن تعكسه الأنظمة الديكتاتورية الباقية، سواء
كانت سوريا أو المملكة العربية السعودية.
واختتمت "واشنطن بوست" افتتاحيتها قائلة، إن الاتفاق الفلسطينى، الذى لا
يزال غير مستقر من عدة أوجه، سيكون اختبارا هاما لمضمار مصر الجديدة،
الاتفاقية أغلب الظن ستسفر عن نتائج سلبية وخيمة، مثل وضع نهاية للإدارة
الفلسطينية التقدمية فى الضفة الغربية، ولكن الإدارة الأمريكية ينبغى أن
تضغط على مصر لتؤكد أن سياستها الجديدة قادرة على تحقيق نتائج إيجابية، مثل
وضع نهاية للهجمات ضد إسرائيل، والإفراج عن الجندى الإسرائيلى جلعاد
شاليط.
الحكومة المصرية السابقة فشلت على مدار خمسة أعوام فى تحرير الجندى الذى
اختطفه حماس، وإذا تمكن العربى من الإفراج عنه، حينها سيثبت أن الدبلوماسية
المصرية عادت لطبيعتها.