bosy نائب المدير
الدولة : مصر عدد المساهمات : 13492 تقيم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 19/04/2010 العمر : 35
| موضوع: خالد توحيد يكتب : حقوق الإنسان .. وحقوق الأوطان الأربعاء أبريل 27, 2011 10:04 pm | |
| خالد توحيد يكتب : حقوق الإنسان .. وحقوق الأوطان
حكم كرة القدم.. ذلك الشخص الذى يمارس واحدة من أهم وأصعب المسئوليات الإنسانية على الإطلاق.. يمثل شخصية فريدة جدا، للدرجة التى يمكن أن نتخذها نموذجا نمطيا، نفهم منه، ونطبق من خلاله ما يمكن أن نعايشه فى أى مجال آخر من مجالات حياتنا، وليس الرياضة فقط.
الحكم فى مباريات كرة القدم، هو الوحيد الذى يستطيع اتخاذ العشرات من القرارات، تجاه كل الموجودين فى محيط الملعب، وهو فضاء واسع ومترامي الأطراف، تبدو فيه القدرة البشرية محدودة، وقاصرة عن السيطرة، ولكن ما فى يد الرجل، وهو قوة الشرعية.. يجعله يبدو وكأنه صاحب قدرات خارقة للعادة، ومتفوقة على ما بيد الإنسان العادى.
الحكم ـ بشكل عام ـ يشبه إلى حد كبير، سواء فى سلطاته وقراراته فى المحيط الخاص به، صانع القرار، أو متخذه فى أى دائرة من الدوائر الحياتية الأخرى.. الأعلى والأهم، ومنها مثلا.. سلطة المسئول الأول فى مؤسسة، أو فى جهة رسمية، أو حتى فى دولة.. الكل يعمل تحت قيادته.. يأمر، وينهى، ويقرر كما يشاء، يفعل ذلك وفق رؤية مهنية يحاول فيها أن يتحلى بكل ما يملك من كفاءة، وبقدر ما يستطيع من عدل، ونزاهة، وحياد بين كل الأطراف.. وواضعا فى اعتباره فى نفس الوقت، أن الجمهور المتابع للمباراة، هو بمثابة القطاع العريض من الجماهير ـ كما هو فى الحياة العامة ـ التى تمارس الرقابة، والضبط، والمحاسبة ـ فى حدود المقبول إنسانيا وتنظيميا ومجتمعيا ـ بما يمثل نوعا من التنبيه، والتحذير، والمراجعة، والاعتراض، والتأييد أحيانا، والرضا أحيانا أخرى..
وربما كان من أبرز وأهم ما جذب شعوب العالم الثالث إلى كرة القدم، هى تلك الشفافية غير المسبوقة، والتى تحدث فى الملعب، حيث يجرى كل شىء أمام أعين الناس، وعلى مرأى منهم، ومن ملايين تشاهد هى الأخرى من خلال شاشات التليفزيون، وهو ما تفتقده بشدة فى حياتها اليومية العادية ـ على خلاف الغرب المتحضر ـ إذ تعانى من التهميش، والكبت، والتضييق، والمنع، والحرمان فى الجانب السياسى، ومن المشاركة والمتابعة، والمحاسبة فى كل الجوانب الحياتية الأخرى بما فيها ما يتعلق بحياتها اليومية!!
حكم فى كرة يمارس مهمته ـ وفق الرضا الجمعى لكل الموجودين فى الملعب ـ من خلال سلطة ديمقراطية تماما، وهى السلطة التى ارتضاها الجميع سلفا لكى تبدأ المنافسة، وأساس تلك السلطة، هو قانون اللعبة الذى يحاسب على الخطأ بكل حياد دون النظر لمن سيقع فيه، ومن المفترض هنا أن يحترم الجميع ما يقرره هذا الحكم، أو ذاك حين تنطلق أحداث المنافسة، والقرارات هنا تشمل الجميع دونما استثناء.. أى ليس اللاعبين فقط، ولا الأجهزة الفنية بكامل هيئتها، ولكن الجمهور أيضا، بل وكل من تطلب وجوده فى المكان.. مهما كانت وظيفته.
إذن الحكم يشبه الحاكم أو المسئول بمقاييس الحياة العامة، ومن الممكن أن تصبح مهمة الحكم سهلة، لو كان الجو المحيط به ملائما، وباعثا على النجاح، والأداء بأعلى المستويات، ويتحكم فى هذه الجزئية المفصلية، سلوك الناس، وقناعاتهم، والمفاهيم العامة التى تتحكم فيهم،
وهنا نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما.. الأول أن تتسم الأجواء العامة المحيطة بالحكم بالإيجابية لأقصى درجة، وتتضمن هذه الأجواء.. الثقة الكاملة فى الحكم، دون تخوين، أو إحساس بالشك فى قدرته، أو شفافيته، إلى جانب القناعة ـ شبه الكاملة ـ بالرضا فى قراراته، والقناعة أيضا بأنه لا يطبق إلا القانون، وفى الوقت ذاته.. من المفترض أن تتصف الجماهير، التى تتابع تلك العملية المهمة، بمفاهيم إنسانية ضرورية، وهى احترام المنافس، واحترام القانون، واليقين بوجود الآخر، وحقه فى أن يمارس عمله، وأن يؤدى مهمته وفق رؤيته الشخصية، منفذا لنصوص القانون، وفق الأحداث التى تجرى أمامه، ولو كان هناك اعتراض على بعض القرارات، التى اتخذها الرجل، فهناك قنوات شرعية يمكن اللجوء إليها لإبداء الاعتراض، أو التأكيد على حق ما جار عليه هذا الحكم، فهكذا تكون الوسيلة الشرعية المقبولة للتعبير عن الاعتراض، أو الرفض، ومن خلال من يمثلون المعترضين، أو المطالبين بذلك الحق، وهم دوما موجودون، معروفون فى كرة القدم أو غيرها، إذ لا يمكن أن يكون البديل هو تكسير الملعب، أو رشق الحجارة، أو محاولة تعطيل سير المباراة، أو حتى مجرد الاكتفاء بتوجيه السباب والشتائم للرجل، وكل من يمت إليه بصلة أو علاقة!!
والوجه الثانى يمكن أن تراه، فيتمثل فى أجواء ملبدة بالشكوك، وتفتقد الشروط الصحية، ومعوقة لأمهر حكم فى الدنيا، ساقه القدر لكى يدير مباراة من المباريات، وفيها يرى الكل أنه امتلك الدنيا وما فيها حين جلس يشاهد المباراة.. فيمنحون أنفسهم الحق فى ممارسة عمل الحكم، ويتخذون القرارات نيابة عنه، ويرفضون مجرد النقاش أو الاختلاف حول ما يبدون من آراء، وتحفظات، ووجهات نظر.. وهم على استعداد للخروج عن القانون، وعن سلطة الحكم، وعن الاتفاق الجمعى الذى ارتضاه الجميع منذ البداية لهذه اللعبة.. سواء كان هذا ينطبق على مباراة بعينها تقام فى هذا المكان تحديدا، أو فى أى مكان آخر فى هذا المجتمع على وجه الخصوص، أو أى مباراة أخرى عرفها العالم منذ ظهور اللعبة، وخاصة فى دول تمنح القانون حقه الكامل فى أن يكون الفيصل بين كل الأطراف، وفى القائم على تطبيق هذا القانون.. وهذا هو الفرق الشاسع بين مجتمع ومجتمع.. بين بشر وبشر.. وبين مباراة ومباراة!!
الصورة المجازية السابقة.. لا تنطبق فقط على حكم مباراة كرة القدم التى تقام فى ملاعب مصر، وهى بالفعل تصلح لذلك تماما، وتحدث بشكل شبه متكرر، ولكنها تصلح أيضا للتطبيق ـ حرفيا ـ على كل مشاهد العبث التى نعيشها كل يوم فى حياتنا اليومية العادية، وبصور مختلفة ومتعددة، وكلها ـ بكل أسف ـ تدمى القلوب.. وتبعث على الحزن والأسى.. ولن يفلح معها مطلقا سوى الاحتكام لسيف القانون، الذى يعاقب المخطئ.. سواء كان هذا فى ملعب كرة القدم، أو فى أى مكان آخر.. لو كنا نريد أن نؤسس لمجتمع متحضر فعلا.. ففى مقابل حقوق الإنسان هناك حقوق أخرى لا تقل عنها أهمية وضرورة، وهي حقوق الأوطان.
| |
|