بعد 63 عاما..مصر- الثورة تحطم أساطير إسرائيل!
"إسرائيل واحة الحرية
والديمقراطية في صحراء الاستبداد والديكتاتورية"..هكذا روجت الدولة العبرية
لهذه المقولة منذ إنشائها قبل أكثر من ستة عقود وووظفتها خير توظيف لكي
تظهر أمام العالم بمظهر "الحمل الوديع" الذي يتطلع لحياة حرة كريمة آمنة
وسط "غابة من الوحوش العرب" الذين يريدون إبادتها ويحكمون شعوبهم بالحديد
والنار..
وبالفعل،
وبحكم الواقع العربي المؤسف طيلة هذه العقود، نجحت العصابات الصهيونية
الحاكمة لهذه "الواحة الإسرائيلية" المزعومة التي ارتكبت مع ادعائها الحرية
جرائم لا حصر لها ضد الإنسانية، في أن تنال تعاطف عدد من دول العالم وأن
تحظى بحماية ومساندة قسم آخر، بل وأن تفلت دوما من العقاب على جرائمها بحق
الشعب الفلسطيني الضحية فكانت "دولة الاحتلال" ولا تزال استثناءً شاذا
ووصمة عار في جبين الإنسانية..
واليوم،
بعدما هبت رياح الثورات العربية على "صحراء الاستبداد والديكتاتورية"
وشرعت هذه الصحراء تتنفس نسمات الحرية، فقد آن الأوان لتحطيم أسطورة الواحة
الإسرائيلية وغيرها!.
ولعل أهم ضربة
تتلقاها هذه الواحة الإسرائيلية المزعومة حتى الآن من ثورات العرب تتمثل
في قرار النيابة العامة في مصر بحبس رئيس الجمهورية السابق حسني مبارك على
ذمة التحقيق معه بتهمتي التحريض على قتل متظاهري ثورة 25 يناير والفساد
المالي.
مصر..جنة الديمقراطية
بهذا
القرار، أعلنت مصر- الثورة للعالم أجمع أنها دولة تحترم سيادة القانون
وتطبقه على الجميع بدون استثناء في إطار من العدالة الحقيقية التي لا تعرف
المحاكم الاستثنائية رغم ما اعتادت الثورات عليه من اللجوء إليها، وعن
بزوغها كجنة واعدة للديمقراطية والعدالة في منطقة الشرق الأوسط.
وحين
تستكمل مصر الجديدة بناءها الديمقراطي بحكومة وبرلمان منتخبين وبرئيس
جمهورية لا يحكم مدى الحياة ويحاسب ويراقب من شعبه في إطار من المؤسسية
والشفافية وسيادة القانون، فإنها ستضارع أعرق الدول العالم ديمقراطية،
وستنزع حينها عن إسرائيل "أسطورة الواحة" فلن تجرؤ على ترديدها والانفراد
بها، وستجردها من قناع "الحمل الوديع" ولن يبقى لها سوى وجهها الحقيقي..وجه
المحتل مرتكب المجازر!.
نعم، لن
تستطيع إسرائيل من اليوم التفاخر بأنها الدولة الوحيدة بالمنطقة التي حاكمت
رئيسها السابق (موشى قصاب) وأصدرت ضده حكما بالسجن سبع سنوات (أدين بتهمة
الاغتصاب)، فقد فعلتها مصر الثورة أيضا.
وحين
تستكمل مصر بناءها الديمقراطي السليم، فإنها لن تتوقف عند حد تحطيم أسطورة
"الديمقراطية الإسرائيلية"، بل ستكون قادرة على تحطيم المزيد والمزيد من
هذه الأساطير الواحدة تلو الأخرى التي استمدت منها إسرائيل قوتها وتفوقها
على العرب، وذلك حين تستعيد قوتها الناعمة الهائلة التي بددتها سياسات
رئيسها السابق، ربما عن عمد!.
ولكن كيف
يمكن أن يحدث ذلك؟.. من الثابت تاريخيا في تطور الثورات الناجحة، أنها
تنتج حالة من التحسن والتقدم الاقتصادي الملموس يكون مرده عادة نبذ
السياسات الاقتصادية الفاشلة والفاسدة التي تفيد فقط الطبقة الحاكمة -كما
في الحالة المصرية- وتبني السياسات التي تعطي الأولوية للتوسع في التصنيع
والتصدير بما يحد من الفقر والبطالة ويقلل الوارادات ويزيد من موارد الدخل
القومي، في ظل آليات الشفافية والمحاسبة الرادعة للفاسدين. ولعل ما شهدته
دول في أمريكا اللاتينية مثل الأرجنتين ثم البرازيل بالذات من تقدم اقتصادي
في العقدين الماضيين بعد تخلصهما من الحكم الديكتاتوري يقدم خير دليل على
ذلك.
مصر..قوة اقتصادية وعسكرية
وفي
ضوء ذلك، تذهب كثير من التحليلات والدراسات إلى توقع طفرة اقتصادية هائلة
في مصر في السنوات القليلة المقبلة تؤهلها بما لديها من إمكانات وموارد
كامنة لم تستغل بعد، لأن تصبح قوة اقتصادية عظمى إقليمية جاذبة للاستثمارات
لها تواجدها على خريطة الاقتصاد العالمي.
ومما
لا شك فيه أن القوة الاقتصادية هي الرافد الأول للقوة الناعمة لأي دولة أو
تجمع إقليمي في عالم اليوم، واستعادة مصر لهذه القوة التي حرمت منها طويلا
سيعيد إليها القدرة الفعلية على التأثير في مجريات الأحداث بل وممارسة
سياسات الضغط والتلويح بالمصالح الاقتصادية الكفيلة بإحداث هذا التأثير.
ولنتخيل
معا دولة مصرية: هي أكبر دولة ديمقراطية في الشرق الأوسط من حيث عدد
السكان، وهي قوة اقتصادية عظمى، فضلا عن كونها قوة عسكرية إقليمية منيعة
ومتطورة لا يزال راسخا في عقيدة جيشها، جيلا بعد جيل ورغم معاهدة السلام
القائمة، أن إسرائيل هي العدو الأول لمصر مثلما لا يزال راسخا في العقيدة
الإسرائيلية أن الجيش المصري يشكل أكبر خطر كامن في الجوار.
إن
دولة كهذه، بعد أن تخلصت من حاكمها الذي وصم بأنه كان "صديقا وحليفا مخلصا
لإسرائيل" لا يعنيه ما ترتكبه من مذابح وعربدة، ستملك حتما رصيدا هائلا من
القوة الناعمة يضاف إلى قوتها العسكرية الرادعة والجاهزة للحسم، وستصبح
أكثر قدرة على التأثير وأكثر رغبة وتصميم على خوض معركة العرب الجديدة
لتحطيم الأساطير الإسرائيلية بما تملكه من وسائل حقيقية للضغط على أقوى دول
العالم من أجل تغيير سياساتها الداعمة للكيان الصهيوني.
لقد
كرست إسرائيل -بجانب "أسطورة الحرية"- أساطير أخرى للحفاظ على بقائها
وعلى احتلالها للأراضي العربية مثل "أسطورة الأمن" التي تلزم قوى عظمى
كالولايات المتحدة بأن تحافظ على تفوقها العسكري على الدول العربية مجتمعة
و"أسطورة الحصانة من العقاب" التي تجعلها تقتل وتعربد وتنشر الرعب والترويع
بين أبناء الشعب الفلسطيني المحتل بل وفي المنطقة العربية من المحيط
للخليج (الهجوم على بورسودان كان أحدث تطور في هذا الشأن) دون أدنى محاسبة
من المجتمع الدولي.
مصر..قوة ناعمة مؤثرة
إلا
أن الثورات العربية اندلعت من حيث لم تحتسب إسرائيل لتفتح مجددا باب الأمل
لتحرير الأرض والعرض من المغتصب الإسرائيلي، فليكن إذن الهدف الأقرب لهذه
الثورات، استثمارا لفرصة تاريخية قائمة، هو العمل على إنشاء قوة ناعمة ضاغط
تكون بمثابة "لوبي عربي" يعمل على نزع ما تتحصن به إسرائيل من مزايا القوة
العسكرية والعصمة من المسائلة والعقاب، بعد أن جردتها هذه الثورات بالفعل
من ميزة الانفراد بارتداء ثوب الحرية في المنطقة، واستغلال هذا الرداء حتى
وإن كان مزورا.
لا شك أنه حين يحتفل
الكيان الصهيوني في الأيام القادمة بذكرى إقامة دولته الثالثة والستين فإن
قادته سيساورهم قلق كبير وغير مسبوق على مستقبل هذا الكيان الذي بات محاطا
بثورات تصنع الحرية وتقيم دولة الديمقراطية الحقيقية، لا دولة الديمقراطية
المحتلة المجرمة المصابة بانفصام في الشخصية.
ودولة
الديمقراطية الحقيقية التي تصنعها اليوم الثورة في مصر لن تقبل حتما بجوار
المحتل مرتكب المجازر ولن تقبل حتما ببقاء هذا الكيان المجرم بلا عقاب
مثلما لم تقبل ببقاء رئيسها السابق بلا محاسبة، شريطة أن تسعى بكل حماس
وتصميم لبناء قوتها الاقتصادية بعدما بات الطريق ممهدا لذلك، وأن تحافظ
دوما على قوتها العسكرية الرادعة، وهذان الشرطان يشكلان التحدي الرئيسي
الذي سيواجه مصر- الثورة في المرحلة المقبلة بعدما انطلق قطار الديمقراطية
والحرية بخطى واثقة على الأرض.
وعلى
الجانب الآخر، لا شك أيضا في أن حشودا من المفكرين والمنظرين ومراكز البحوث
والدراسات والتحليلات لدى "الدولة العبرية" تعكف من الآن على وضع الخطط
والحلول والسيناريوهات الضرورية لمواجهة تداعيات الثورة العربية عليها..
لقد
بدأت إرهاصات معركة من نوع جديد بين العرب وإسرائيل..فلنبدأ من الآن
التخطيط بعناية وعلى مستوى إستراتيجي متكامل لهذه المعركة، ولتكن بالنسبة
لنا "معركة تحطيم أساطير إسرائيل"..إنها سبيلنا إلى تحرير القدس الشريف
بعون الله..الهدف الأسمى للثورات العربية.