دلالات "نعم".. الشعب يريد الاستقرار
بعدما أظهرت النتائج النهائية للإستفتاء علي تعديلات الدستور المصري
المؤقتة (تعديل 9 مواد تتعلق بانتخابات البرلمان والرئاسة وحذف مادة)،
تصويت غالبية ثلثي المصريين بـ(نعم) للتعديلات المؤقتة مقابل رفض قرابة ثلث
المصريين لها، باتت الخطوات المقبلة للثورة المصرية محددة المعالم دون أن
تخلو من مخاطر.
فالتصويت بـ (نعم) حمل دلالات كثيرة أبرزها إختيار غالبية المصريين تسريع
عجلة دوران الحياة السياسية و"تطبيع" الحياة اليومية والسعي نحو مزيد من
الاستقرار عبر إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وتحرك عجلة الحياة
والانتاج، ثم العودة مرة أخري لتعديل كامل الدستور (في غضون 60 يوما من
انتخاب البرلمان).
والتصويت بـ (نعم) حمل رغبة شعبية أكبر في تسريع عودة الجيش الي ثكناته،
وعدم تكرار تجربة مارس 1954 حينما رفض كثيرون عودة الديمقراطية سريعا
بدعاوي الخوف من عودة أحزاب القصر (هذه المرة الحزب الوطني والإخوان)
وانتهي الأمر ببقاء الجيش في السلطة فتأخرت الديمقراطية الحقيقية 55 عاما
كاملة ، في حين إن ما تصنعه (نعم) الآن هو تكوين مؤسسات ديمقراطية لهذه
الفترة الانتقالية المحددة لنضع من خلالها دستورا ديمقراطيا جديدا، حسبما
يؤكد المستشار طارق البشري رئيس لجنة تعديل الدستور.
الخطوة المقبلةبعد (نعم) أصبحت التعديلات الدستورية أمرا واقعا ومن المقرر أن تصدر
القوات المسلحة إعلانا دستوريا بشأن تنظيم العمل فى الفترة المقبلة تكون
المواد المعدلة هي أساس العمل به خلال الفترة المقبلة، وبعدها يتم تحديد
مواعيد انتخابات مجلسي الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية، بحسب اللواء
ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية.
في حين أنه لو كان الاستفتاء انتهي بلا، لظلت القوات المسلحة مدة عامين
في السلطة علي الأقل لحين وضع دستور جديد بالكامل وإجراء انتخابات، واستمر
عدم الاستقرار وصعدت الخلافات بين القوي والتيارات المختلفة حول تعديل مواد
في الدستور وإضافة أخري.
وعندما تنتهي انتخابات رئاسة الجمهورية والبرلمان سيجتمع رئيس الجمهورية
الجديد ورئيسا مجلسي الشعب والشورى لصياغة دستور جديد خلال فترة محددة لا
تزيد علي ستة أشهر.
دلائل نتائج الاستفتاءهناك دلائل كثيرة للتصويت بـ "نعم" وبصورة شبه كاسحة، أبرزها إختيار
المصريين للاستقرار وتسريع عودة الحياة لطبيعتها واختيار عودة الجيش
لثكناته بسرعة ورفض الزعامات الورقية والتليفزيونية لشخصيات عديدة ظهرت مع
الثورة، أو ركبت موجتها، والمفارقة هنا أن كل من أعلنوا ترشيح انفسهم
لانتخابات الرئاسة المقبلة سقطوا مع (لا) التي أعلنوا عنها في مواجهة
التعديلات الدستورية، ما يثير تساؤلات حول مغزي نتيجة الاستفتاء من حيث
إنقطاع الصلة والتفاعل بين هؤلاء المرشحين من جهة وغالبية الشعب الذي صوت
في اتجاه مضاد لهم من ناحية أخري!
وقد ظهر هذا في صورة تعليقات ساخرة للعديد من الشباب علي موقع فيس بوك
والمدونات الشخصية تتساءل اين هؤلاء الزعماء الذين قادوا حملة الرفض وقول
(لا) خصوصا المرشحين للرئاسة مثل عمرو موسي ومحمد البرادعي .
مخاوف (نعم)!!ومقابل هذه المكاسب التي يري مراقبون انها تحققت للشعب المصري من جراء
قول (نعم) بتسريع تطبيع الحياة المصرية بعد الثورة والانتقال من الشرعية
الثورية للشرعية الدستورية، وتحريك عجلة الحياة والانتاج بعد قرابة شهرين
من الجمود منذ نجاح الثورة الشعبية، هناك مخاوف يمكن رصدها من جانب من بعض
من قالوا (لا).
فالمشكلة التي لاحظها كثيرون خلال الاستفتاء أن نسبة كبيرة من الناخبين
لم تقرأ التعديلات أصلا ولم تحرص علي هذا أو لم تفهم معناها، وبعضهم ذهب
للتصويت لأسباب دينية أو طائفية أو استعراضية أو اقتصادية متصورا أن
الموافقة تعني مثلا العمل والانتاج، والرفض يعني استمرار "وقف الحال" كما
قال أحدهم.
وقد ترتب علي هذا قراءة مختلفة من هؤلاء الناخبين – المؤلدجين - لحقيقة
ومغزي النتائج ، مثل تصور بعض – وليس كل - السلفيين أو المتدينين المسلمين
عموما ممن أيدوا التعديلات أن الموافقة عليها تعني بقاء مادة الشريعة
الاسلامية في الدستور في حين ان الرفض يعني إلغاء الشريعة ، واعتبار بعض –
وليس كل - الأقباط أن التصويت بـ(لا) معناه إلغاء هذه المادة التي صورتها
لهم بعض الأصوات المسيحية المتعصبة علي أنها تضر بهم ، في حين أنها
(الشريعة) هي التي تحمي المواطنة المسيحية حسبما قال شيخ الأزهر.
وترتب علي هذا – بالتبعية - تصور تيارات إسلامية أن (نعم) التي اختارتها
ووقفت بجانب التصويت لها هي بمثابة إنتصار لها هي – اي هذه التيارات –
وأنها بمثابة استفتاء علي قبول الشعب لهذه التيارات ورفض التيارات الأخري
العلمانية أو الليبرالية أو المسيحية ، ومن ثم تحميل النتائج ما لا تحتمل!
من ذلك مثلا المخاوف من أن يتصور من أيدوا (نعم) وغالبيتهم من التيارات
الاسلامية (الاخوان – السلفيين – الجماعة الاسلامية – عبود الزمر – حزب
العمل) أن النتيجة هي تصويت لصالحهم وعلي اشخاصهم وتوجهاتهم ، ما يدفعهم
لتضخيم حجم تياراتهم وإملاء تصوراتهم للوضع في مصر مستقبلا.
وبالمقابل مخاوف لمن قالوا (لا) - وبينهم نسب كبيرة من اليساريين
والعلمانيين والليبراليين والأقباط – أن ينظر لهم علي أنهم خاسرون، مع ما
يتصل بهذا من دلائل علي رفض (مطلب بعضهم) تعديل المادة الثانية من الدستور
التي استخدمها السلفيون للدعاية لتأييد التعديلات المؤقتة كي لا يثير
الفريق الرافض مسألة تعديل هذه المادة الثانية لو جري تعديل كل الدستور.
وربما كان هذا التصور سببا أيضا في صدور تعليمات لأقباط – حسبما قال
بعضهم - بالتصويت بـ "لا" أملا في تعديل الدستور كله ومن ضمنه المادة
الثانية من الدستور المتعلقة بالشريعة الاسلامية .
فضلا عن ظواهر أخري تعكس انتعاش وشعور بعض الاسلاميين من التيارات
السلفية بالتضخم وثقل النفوذ لمحاربة ما يرونه مخالفا للدين مثل القبور غير
الشرعية التي اشتكي الصوفيون من حملة ضدها وتهديدات بهدمها ، وهددوا
(الصوفيون) بمظاهرة مليونية لو لم تتوقف مضايقات السلفيين لهم !.
ومع هذا فلا يجب إخفاء حقيقة أن الاستفتاء بنعم أبرز قوة التيار
الاسلامي وخاصة جماعة الاخوان والتيار الاسلامي عموما من الناحية السياسية
وأظهر وجود قاعدة جماهيرية لاطروحاتهم ونجاح الحملة الاعلامية والقدرة
التنظيمية.
النتيجة الأهمايا كانت النتيجة أو التصورات الخاطئة أو المخاوف غير الدقيقة ، فالأمر
المؤكد والنتيجة المؤكدة والشجاعة والمواطنة الحقيقية وإختبار الديمقراطية
الفعلي هو أن يقبل من قالوا (لا) بخسارتهم المعركة الديمقراطية برحابة صدر
ويباركوا لمن قالوا (نعم) ويعتبروا أن المنافسة كانت للفوز بـ(مصر حرة) لا
بما يضرها من صراعات فئوية أو دينية أو غيرها من الطرفين .
النتيجة الأهم هي ضرورة مساندة هذا التوجه لعودة الحياة الطبيعية في مصر
وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية عاجلة بما يزيد الاستقرار في البلد
ويعزز الانتاج طالما رأي من قالوا (نعم) أن هذا الطريق هو الأسلم .. والأهم
هو أن نساعد الجيش علي سرعة العودة لثكناته ونمنع تكرار سيناريو مارس 1954
الذي انتهي ببقاء الجيش في السلطة برغبة الشعب ما أدي لاحقا لغياب الحياة
الديمقراطية السلمية .
النتيجة الأهم هي أن مصر باتت – بعد الاستفتاء الحضاري بدون تدخل أمن
الدولة والبلطجية – (مستقلة) استقلالا حقيقيا لأول مرة في تاريخها، وتتخذ
قراراتها بنفسها دون اي تدخل أجنبي.. وهذا مكسب لا يعادله مكسب ويجب أن
نحرص عليه ولا ننزلق لصراعات جانبية فئوية أو دينية تفسح المجال لتدخلات
أجنبية كريهة.