غالبية «النخبة» ترفض «التعديلات» في أول استفتاء لا يعرف المصريون نتيجته مسبقًا
بينما يتوجّه نحو 40 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم في استفتاء
على تعديل بعض مواد الدستور في أول اقتراع يصعب التنبؤ بنتيجته، يتصاعد
الجدل «النخبوي» بين خبراء قانونيين وساسة حول الموقف من هذه الاستفتاء بين
أغلبية رافضة وأقلية أبدت موافقتها عليه.
وأعلنت تيارات وأحزاب وشخصيات إصلاحية شاركت في ثورة 25
يناير، ومرشحون محتملون في انتخابات الرئاسة رفض هذه التعديلات بدعوى أنها
تعيد الحياة إلى دستور أسقطته الثورة، يمنح صلاحيات كبيرة للرئيس ولا يحدد
طريقة لمحاسبته سياسيًا أو الرقابة على عمله، فيما قرر الحزب الوطني وجماعة
الإخوان المسلمين وحزب الوسط الإسلامي المنشق عن الإخوان وقوى إسلامية
وسلفية تأييد هذه التعديلات.
وقال محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة
الذرية، والذي أعلن ترشّحه في الانتخابات الرئاسية، إن «استمرار العمل
بدستور مبارك يعد إهانة للثورة»، داعيًا إلى تشكيل لجنة تأسيسية تضع
دستورًا جديدًا.
وأصدرت الجمعية الوطنية للتغيير التي أسسها البرادعي بيانًا
تدعو فيه المواطنين إلى التصويت برفض التعديلات، ودعت أعضاءها بالمحافظات
إلى الخروج فى مظاهرات كبيرة الجمعة المقبل، فى كل الميادين، معتبرة أن
مطالب الثورة لم تتحقق بعد، وهى «تغيير وحرية وعدالة اجتماعية».
كما أعلن عمرو موسى الذي سيترك منصبه كأمين عام للجامعة
العربية ليلحق بسباق الانتخابات الرئاسية رفضه التعديلات، وعزمه التصويت
ضدها، معتبرًا أن الدستور الحالي نفسه تم تجاوزه، وليس من الصالح استمرار
الاستناد إليه أو تعديله. وطالب موسى بصياغة إعلان دستوري للفترة
الانتقالية، يمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية.
ورفضت أحزاب التجمع والوفد والناصري والغد والجبهة
الديمقراطية، وائتلاف شباب الثورة والجمعية الوطنية للتغيير التعديلات.
وطالبوا الناخبين بالتصويت ضدها. وتوحدت المطالب حول ضرورة انتخاب جمعية
تأسيسية تصيغ دستورًا جديدًا، باعتبار أن دستور 1971 سقط إثر الثورة ولا
معنى لتعديل دستور ساقط.
وتقلص التعديلات فترة الرئاسة من 6 إلى 4 سنوات وتحددها
بمدتين على الأكثر بعد أن كانت مفتوحة، وتلزم رئيس الجمهورية بتعيين نائب
أو أكثر بعد أن كان الأمر اختياريًا، وتفرض رقابة كاملة للقضاء على إجراء
أي عملية اقتراع. كما يختص القضاء أيضًا بالفصل في صحة عضوية أعضاء
البرلمان بعد أن كان هذا الاختصاص للبرلمان نفسه.
كما سهّلت التعديلات شروط الترشح إلى رئاسة الجمهورية، إذ
يسمح للأحزاب الممثلة في البرلمان بنائب واحد بترشيح أي من أعضائها، بينما
يمكن للمستقل الترشّح بعد حصوله على 30 توقيعًا لنواب منتخبين أو 30 ألف
توقيعًا من مواطنين في 15 محافظة على الأقل.
وبموجب التعديلات يلتزم الأعضاء المنتخبون في البرلمان المقبل
انتخاب جمعية تأسيسية تكتب دستورًا جديدًا، ويتعين على رئيس الجمهورية
إجراء استفتاء شعبي في حال رغبته فرض حالة الطوارئ في البلاد لأكثر من 6
أشهر. وتقترح التعديلات إلغاء المادة المتعلقة بسلطة الرئيس في تحويل أي
جريمة من جرائم الإرهاب إلى أي جهة قضائية أخرى. وهذه المادة التي كان
المدنيون أحيانًا يحاكمون في ظلها أمام المحاكم العسكرية.
وقال الدكتور عمرو حمزاوى، كبير الباحثين بمعهد كارنيجى
للسلام الدولى، إن آلية التعديل الدستورى تحمل مجموعة من الأخطاء، كونها
تمثل التفافًا على مطالب الثورة. وأبدى حمزاوى تحفظه على خطاب التخويف
الموجه لمن يقول «لا» للتعديلات، موضحًا أن الخطاب يتشابه مع خطاب النظام
السابق فى أيامه الأخيرة الذى كان يجبر المواطن على الذهاب فى اتجاه معين
تحت ادعاءات زائفة بحدوث الفوضى.
كما اعترض حمزاوى على آلية الاستفتاء؛ وهى أن المواطن سيصوت
على المواد فى صورة تجميعية، ولا يوجد حق الاختيار للمواطن بأن يوافق على
بعض المواد أو يرفض البعض الآخر، مؤكداً أنه حتى الآن لم نقرأ النصوص
النهائية للتعديلات الدستورية.
وحث الدكتور عمرو هاشم ربيع، مدير وحدة التحول الديمقراطي
بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، جموع المواطنين على الذهاب
للاستفتاء ورفض التعديلات، لتفويت الفرصة على «بقايا الحزب الوطني»،
مؤكدًا أن «الدستور سقط رسميًا بإعلان الرئيس مبارك تنحيته عن السلطة»،
مشددًا على ضرورة «إجراء تغيير كامل للدستور، وليس مجرد تعديلات على بعض
مواده، كما رسمها لنا الرئيس السابق».
وأعلنت قيادات الكنيسة القبطية الأرثوذسية رفض التعديلات
الدستورية. وأوضحت أن الكنيسة لن تحث الأقباط على إبداء رأي معين وستترك
لهم حرية الاختيار بين التصويت بنعم أو لا، مع التأكيد على أن مصر فى حاجة
إلى دستور جديد يؤكد على مدنية الدولة والمساواة والمواطنة.
من جهتها أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أنها ستقوم بما في
وسعها لتكون نتيجة الاستفتاء «نعم». وقال محمد مرسي، عضو مكتب الإرشاد:
«نوافق على التعديلات الدستورية، رغم أنها غير كافية. وندعو الشعب للموافقة
عليها في الاستفتاء حتى يتم إجراء الانتخابات البرلمانية بعد ذلك وبعدها
تشكل جمعية لوضع دستور جديد».
وقال أبوالعلا ماضى، مؤسس حزب الوسط، إنه يوافق على كل المواد
المعدلة، ما عدا مجلس الشورى الذى يرى ضرورة إلغائه لأنه لا اختصاص له ولا
قيمة له، كما أنه يمثل عبئًا على الميزانية العامة للدولة.
كما أبدى الحزب الوطني موافقته على التعديلات ودعا أعضاءه
للتصويت بالموافقة عليها، وأعلن أمينه العام الدكتور محمد رجب أن «الحزب
طلب من أعضائه المشاركة في الاستفتاء، والتصويت بنعم لما له من أهمية في
تحقيق الشرعية الدستورية والانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل الوطني».
وأعلنت الجمعية العمومية لمحكمة النقض رفض التعديلات
الدستورية، باعتبار أن مقتضيات الصالح العام تقتضي أن يعاد النظر في تعديل
المادة 93 الذي منح حق الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب إلى المحكمة
الدستورية العليا. وطالبت بإعادة هذا الحق إلى النقض.
كما رفض المستشار زكريا عبد العزيز التعديلات واصفًا إياها
بعملية «تلميع شخص ميت». وقال إن الدستور الحالى انتهى مع قيام الثورة
الشعبية فى 25 يناير، وأى تعديلات عليه بمثابة «ترميم وترقيع دستورى».
أما المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض، فعلق على
التعديلات قائلاً «بعضها جيد وبعضها يحتاج إلى إعادة نظر، فمثلا مدة
الرئاسة معقولة، وكذلك شروط الترشح للرئاسة جيدة، وإن كنت أرى النزول بسن
الترشح إلى 30 أو 35 سنة لأن الشباب هو من قام بالثورة وهو من سيقود
المجتمع وبالتالى من حقه الترشح للرئاسة».
بينما رفض المستشار رفعت السيد، رئيس نادى قضاة أسيوط السابق،
التعديلات الدستورية المطروحة، موضحاً أن الأغلبية العظمى من الشعب ترى أن
هذه التعديلات تمثل عملية «ترقيع» لثوب ممزق لا يجدى معه الإصلاح،
وبالتالى يتعين البدء فى إعداد دستور جديد.
ودعا الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش إلى رفض
التعديلات. وطالب باستمرار محكمة النقض في الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس
الشعب. ولفت إلى أنه ليس ضروريًا حصول المستقل من المرشحين لرئاسة
الجمهورية على 30 ألف توقيع لمواطنين في 15 محافظة والاستغناء عن شرط
الأعضاء الثلاثين المنتخبين في البرلمان.