تخفيض أجور الفنانين أعداء الثورة بسبب تدني شعبيتهم
قبل
إنتهاء شهر رمضان الماضي، تسابقت شركات الإنتاج على التعاقد مع الفنانين
والمؤلفين الكبار إستعداداً لموسم دراما شهر رمضان المقبل، وأدت تلك
المنافسة الشرسة بين المنتجين إلى ارتفاع أجور النجوم بشكل مبالغ فيه بشدة،
ما شكل استفزازاً للغالبية من المصريين الذي يعيش 40% منهم تحت خط الفقر،
وعلى الرغم من ذلك الإرتفاع إلا أن الأمور كانت تمضي بشكل طبيعي، ولم يكن
هناك من يتوقع اندلاع ثورة 25 يناير، التي غيّرت خريطة مصر السياسية،
وتساهم حالياً في تغيير خرائط الكثير من الدول العربية.
لم
تسقط الثورة الرئيس مبارك فقط من فوق كرسي الحكم فقط، بل أسقطت رؤوساً
أخرى في عالم الفن وحرمتها من شعبيتها التي منحها إياها المصريون أنفسهم،
ووجد المنتجون أنفسهم في مأزق شديد، وشعروا أنهم مقبلون على "خراب بيوت"،
فقرر بعضهم التوقف عن الإنتاج موقتاً، فيما أجبر آخرون النجوم الذين يقعون
ضمن "القائمة السوداء للثورة"، على تخفيض أجورهم، بعد أن انخفضت قيمتهم
السوقية.
يأتي
عادل إمام على رأس قائمة الفنانين الذين قرر تخفيض أجورهم، على الرغم من
تعاقده مع المنتج صفوت غطاس على بطولة مسلسل "فرقة ناجي عطالله"، بعد
إنتهاء شهر رمضان الماضي مباشرة، حيث تنازل عن 10 ملايين جنيه، ليصبح أجره
عن المسلسل 20 مليوناً، وهو أعلى أجر في تاريخ الدراما المصرية.
كما قرر الفنان تامر حسني أن يسلك مسلك عادل إمام، حيث خفض أجره عن بطولة مسلسل "آدم" من 27 مليون جنيه إلى 15 مليوناً.
وخفض محمد هنيدي أجره عن بطولة مسلسل "مسيو رمضان مبروك أبو العلمين حمودة" من 25 مليون جنيه إلى 19 مليوناً.
وكانت
الفنانة إلهام شاهين على رأس الفنانات اللواتي قررن تخفيض أجورهن، حيث
إنخفض من خمسة ملايين إلى ثلاثة ملايين فقط، وذلك عن بطولة مسلسلها الجديد
"معالي الوزيرة"، وتوقف التصوير، لحين إجراء تعديلات على السيناريو الذي
كانت أحداثه تدور حول وزيرة متزوجة من رجل أعمال فاسد، يستخدم أمواله في
الدخول إلى عالم السياسة، والفوز بعضوية البرلمان، وهي أحداث لا تتناسب مع
طبيعة المرحلة الحالية، حيث إندلعت الثورة، من أجل القضاء على زواج السلطة
بالرأسمال، وتم حل البرلمان.
وخفضت غادة عبد الرازق أجرها عن بطولة مسلسل "سمارة" من سبعة ملايين إلى أربعة ملايين جنيه.
ويلاحظ
أن الفنانين الذين قرروا تخفيض أجورهم هم الذين كان لهم موقف معارض للثورة
بشكل عنيف، وكانوا يقفون في خندق النظام الحاكم والرئيس مبارك ونجله جمال،
ودافعوا عنه بشدة، ووصل الأمر إلى حد إتهام الثوار بالخيانة والعمالة
للخارج، وتنفيذ أجندات لتخريب مصر.
أما
يحيي الفخراني، فلم يخفض أجره عن بطولة مسلسل "بواقي صالح"، وقد يرجع
السبب إلى أنه من الفنانين القلائل الذين لم يتخذوا موقفاً مناهضاً للثورة،
وما زال يتمتع بجماهيرية واسعة.
ووفقاً
للناقد الفني سمير عبد العزيز، فإن تخفيض أجور الفنانين الكبار، خصوصًا
الذين إتخذوا مواقف ضد الثورة، ووضعهم الجمهور ضمن ما يعرف بـ"القائمة
السوداء"، يعود إلى عدة أسباب، أولها أن هؤلاء الفنانين صاروا غير مرغوب
فيهم، وإنخفضت جماهيريتهم مثل عادل إمام الذي كان معروفاً بتوجهاته المؤيدة
للرئيس مبارك وبقائه في الحكم مدى الحياة وتوريثه لنجله جمال من بعده،
ووقف ضد الثورة بكل عنف، وطلعت زكريا الذي إتهم الثوار المعتصمين في ميدان
التحرير بأنهم يمارسون الزنى وتعاطي المخدرات، وإلهام شاهين التي انتقدت
الثورة بشدة، وقالت إنه من العيب المطالبة برحيل الرئيس مبارك، وكذلك غادة
عبد الرازق التي وصفت مبارك بأنه "أبوها".
وأشار
عبد العزيز إلى أن أعمال هؤلاء الفنانين في خطر خصوصًا بعد وضعهم في
القائمة السوداء لأعداء الثورة، والدعوة إلى مقاطعة أعمالهم، ومن ثم كان
عليهم تخفيض أجورهم، حتى لا يكون المنتج هو الضحية، الذي قد تواجهه صعوبات
في تسويق أعمال هؤلاء الفنانين، وأضاف عبد العزيز أن الأوضاع الإقتصادية
المضطربة لن تكون في صالح صناعة الدراما هذا العام، وقد تحجم الكثير من
الفضائيات عن شرائها، نظراً لإنخفاض نسبة الإعلانات بدرجة كبيرة.
أما
الناقد طارق الشناوي، فيتوقع إنخفاض أجور جميع الفنانين الذين وقفوا ضد
الثورة، بدرجة كبيرة، وتوقع سقوط نجمهم، وصعود أو تألق نجوم جدد، ممن وقفوا
إلى جوار الثورة، وإنضموا إليها في ميدان التحرير، مشيراً إلى أن ذلك أمر
طبيعي، فليس من المعقول أن تطيح الثورة برأس النظام ورموزه، وأبواقه
الإعلامية، ولا تطيح بالفنانين الذين إرتموا في أحضانه سنوات طويلة،
واستفادوا منه بكافة الصور، وينوه الشناوي بأن العام الحالي سيشهد إنخفاضاً
في المسلسلات بدرجة كبيرة، في ضوء إنخفاض نسبة الإعلانات، بعد إصابة
البلاد بحالة من الكساد الإقتصادي، وتوقف الإنتاج والتصدير.
فيما
يتوقع الكاتب يسري الجندي إنخفاض المسلسلات التي ستدخل المنافسة في رمضان
المقبل بنسبة 75%، وأضاف أن حجم الإنتاج الدرامي المصري العام الماضي وصل
إلى 63 مسلسلاً، وسينخفض إلى 15 أو 17 عملاً على الأكثر هذا العام، وأنتقد
الجندي موقف الفنانين الذين لم يكونوا إلى جوار الثورة العظيمة، مشيراً إلى
أن الفنان يعتبر دائماً نبض الشعب، ويتفاعل مع مشاكله، ولا يقف ضده، ويزيد
من آلامه ويدعم الدكتاتورية والإستبداد والظلم بأي شكل من الأشكال.
وتوقع
الجندي أن يتغير الواقع في صناعة الدراما والسينما تماماً، فلن يقبل
الجمهور تلك الأعمال التي تقدم له في السابق من أجل الترفيه وتعميته عن
مشاكله وهمومه، ولن يرفع الجمهور أي فنان من أصحاب المواقف المزدوجة الذين
يقولون ما لا يفعلون، مشيراً إلى أن الدراما تحتاج إلى أفكار جديدة غير
التي كانت تطرح في السابق.
ويرى
المنتج صفوت غطاس أن الإنتاج سينخفض إلى النصف، بسبب تردي الأوضاع
الإقتصادية، لأن هناك خللا حدث في المصدر الرئيس الذي يساهم في انتعاش
صناعة الدراما، ألا وهو الإعلانات، حيث إن الشركات لن تقدم على الإعلان عن
منتجاتها، بسبب سوء الأوضاع، وبالتالي ستتأثر بذلك الفضائيات التي تعرض
المسلسلات، وسينعكس ذلك على الإنتاج، وأضاف غطاس أنه قرر المضي في تصوير
مسلسل "فرقة ناجي عطالله"، وكشف أن المنتجين يبذلون جهوداً كبيرة لتخفيض
أجور جميع فريق العمل في الدراما، بدءا من الفنانين أو النجوم، مروراً
بالمؤلفين والمخرجين ومديري التصوير والفنيين والإداريين، مؤكداً أن
التخفيض أمر ضروري من أجل استمرار الصناعة، وعدم توقفها تماماً، مشيراً إلى
أن هناك أزمة تتطلب تكاتف الجميع من أجل تجاوزها.