تقدم مهاب بطلب للانتقال إلى إدارة مكافحة النشاط المتطرف عام 1998، «بعد ما زهقت من نشاط مكافحة الإرهاب، وتعبت فيه».
تم نقل مهاب إلى إدارة مكافحة النشاط المتطرف ببنى سويف، «ويا ريتنى مارحت، لأنى شفت هناك قذارة جامدة جدا».
أول ما فاجأ مهاب، أن تحت يده ملفات لضباط الشرطة، «أيوه، أمن الدولة بيتجسس ويتحرى على ضباط الشرطة».
وجد مهاب ملفا به تحريات عن ضابط شرطة مرشح لمنصب فى المباحث الجنائية، وقررت تحريات أمن الدولة أنه غير صالح للمنصب لأن «والدته ذات سمعة سيئة».
واكتشف مهاب أن جهاز أمن الدولة له السيطرة الكاملة على وزارة الداخلية، فهو الذى يحدد الترقيات ويعطى الإذن بالترقيات المهمة.
«كانوا بيستغلوا الأجهزة المتطورة فى إدارة المساعدات الفنية فى التجسس على تليفونات ضباط الداخلية».
ويؤكد مهاب أن هذه السلطة بالذات تجعل الداخلية كلها تكره ضباط أمن الدولة، «ولو ضابط ساب أمن الدولة ورجع الأمن العام، ضباط الأقسام ينتقموا منه ويعاملونه أسوأ معاملة».
أما باقى المناصب المهمة خارج الداخلية، فتتولاها «إدارة الهيئات»، التى تندرج داخلها وحدات متابعة الجامعات، والنقابات، والأجهزة الحكومية من وزارات وهيئات، والإعلام المرئى والمسموع والمقروء.
«ببساطة محدش بياخد أى منصب إلا بإذن منهم، همه الحاكم الحقيقى للبلد».
أولى مهمات مهاب كانت متابعة «عناصر المركز»، فكل مركز بأمن الدولة يتابع ما يقارب 100 مسجل، يقوم أمن الدولة باستجوابهم دوريا.
كيف يدخل المواطن لسجلات أمن الدولة؟
«أمسك واحد خارج من المسجد بدقن. أستجوبه، وأضغط عليه علشان يقوللى مين اللى بيصلوا معاه ويحضروا الدروس. أروح أجيب صحابه وأستجوبهم وأضغط عليهم، وهكذا».
يعتمد ضباط أمن الدولة على معلومات واردة من أمناء الشرطة ومصادر أمن الدولة من المعتقلين السابقين الذين وافقوا على التعاون مع الجهاز. «وطبعا ممكن أمين شرطة يدس فى وسط الأسماء أى حد هو بيكرهه أو متخانق معاه أو رفض يدفعله إتاوة».
أما المصدر الثانى للمعلومات، فهو التعاون مع المطاريد والمجرمين الذين يتعاونون مع الجهاز بمقابل مادى قد يصل إلى 10 آلاف جنيه مقابل كل إرهابى يتم التوصل إليه، «حاجة كده زى فيلم الجزيرة وقضية عزت حنفى».
وبمجرد دخول اسم إلى سجل المركز، يظل بداخل السجل إلى الأبد. «كل أسبوع لازم أنزل حملة، أقبض على عدد منهم، أسيبهم يوم أو اتنين فى القسم»، ويتم حجز المعتقلين فى الأقسام فى عزلة عن باقى السجناء لأنهم «على ذمة أمن الدولة» بلا محاضر أو أوراق تثبت وجودهم فى القسم، ويؤكد مهاب أنه لا يوجد أى سلطة قادرة على إخراجهم من الأقسام، بما فى ذلك التفتيش القضائى من وكلاء النيابة.
بعد قضاء ليلة أو اثنين فى القسم، يتم ترحيل السجناء إلى مبنى أمن الدولة فجرا، ليبدأ استجوابهم، ثم الإفراج عنهم، ثم إعادة الدورة مرة أخرى.
الاستجوابات قد يتخللها وصلات من الضرب والتعذيب، التى يتم فيها استخدام الصعق الكهربائى، إما بالعصيان الصاعقة «الدونوك»، أو باستخدام التليفون القديم ذى «المانفلة»، حيث يتم توصيل التليفون بجسد المتهم وتشغيلها حتى يتعذب. «وأحيانا كان الضباط الساديين بيستخدموا الانتهاك الجنسى، زى وضع الأقلام الجاف فى مؤخرات المعتقلين».
اعتاد مهاب أصوات الصرخات القادمة من غرف الضباط ليلا أثناء تعذيبهم المحبوسين. أما المتهمون فى قضايا خطيرة، فبمبنى أمن الدولة ببنى سويف غرفة مبطنة بعوازل للصوت مجهزة بصواعق الكهرباء وخطافات لتعليق المتهم من السقف.
أما من يموتون تحت التعذيب، «فكان الضباط بيقولوا إنهم ماتوا بالسكتة القلبية أو الإضراب عن الطعام، ويهددوا الأهالى بعدم الحديث».
الاستجوابات مع مرور الوقت صارت عبثية، على حد قول مهاب، فالأسئلة تتكرر، والوجوه تتكرر، ولا جديد.
لكن حياة المسجلين تتعرض للتدمير الكامل، فالاعتقالات المتكررة تتسبب فى تعطيلهم عن العمل وتدمير سمعتهم وحياة أسرهم. «ونتيجة للبهدلة دى، كل فترة لازم واحد فيهم حيحاول يهرب، أو يقاوم الاعتقال، وساعتها الضابط يبدأ يحطه فى دماغه، ويدخل القائمة السوداء ويدخل المعتقل».