يستحق عبود وطارق الزمر عن جدارة لقب سجناء عصر مبارك، نظرا لأنهما لم يريا يوما
خارج السجن طوال عهد الرئيس المخلوع، وشاء القدر أن يحصلا على حريتهما بعد الإطاحة
بحكم الرئيس الذى أصر على بقائهما فى السجن طالما بقى هو فى قصره الرئاسى، رغم
انتهاء مدة عقوبتيهما منذ ما يقرب من الـ10 سنوات.
دخل عبود الزمر السجن عام
1981 عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وهو شاب يبلغ من العمر 34 عاما،
واليوم يخرج منه شيخا يتجاوز عمره الـ 64 عاما، أى أنه قضى أكثر من نصف عمره داخل
السجن وبصحبته ابن عمه الدكتور طارق الزمر، ولم يشفع للرجل مشاركته فى حرب
الاستنزاف وحرب أكتوبر التى يتمسك الرئيس المخلوع بالحديث عن دوره فيها واعتبرها
سندا يسمح له بالبقاء فى الحكم مدى الحياة، لكن الغريب أنه لم ير فى هذه الحرب سببا
للإفراج عن شيخ مسن من محبسه.
المعلومات المتوافرة عن عبود الزمر أشهر سجين
سياسى فى مصر تشير إلى أنه من مواليد قرية ناهيا بمحافظة الجيزة فى 19 أغسطس عام
1947، والتحق بالكلية الحربية عام 1965 وتخرج فيها بالدفعة 51 عام 1967 عقب النكسة
مباشرة، وانخرط فى شعبة الاستطلاع بجهاز المخابرات الحربية وهو برتبة ملازم أول،
وشارك فى عمليات خلف خطوط العدو فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973، وحصل على ترقية
استثنائية فى ميدان القتال أثناء حرب أكتوبر 1973، فترقى إلى رتبة نقيب.
وفى
عام 1978 حصل عبود الزمر على درع القوات المسلحة والمركز الأول فى تدريبات الجيش
المصرى وشهادة تقدير من إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، وكان وقتها برتبة
رائد.وأثناء محاكمة المتهمين فى قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، كان هو
الضابط الأرفع رتبة بين مجموعة الضباط المحالين إلى المحكمة.
قصة اتجاه عبود
وطارق الزمر إلى العمل الجهادى المسلح معروفة، لكن أبرز ما فيها أنهما كانا من
المجموعة المؤسسة لتنظيم الجهاد مع محمد عبد السلام فرج صاحب "الفريضة الغائبة"،
وأن الرئيس أنور السادات كان يقصده فى خطابه الشهير فى سبتمبر 1981 عندما قال
:"الولد الهربان أنا مش هرحمه".
ورغم أن عبود وطارق الزمر كانا من أول
المؤيدين لمبادرة الجماعة الإسلامية لوقف العنف، لدرجة أنهما انضما لمجلس شورى
الجماعة رغم أنهما محسوبان على تنظيم الجهاد، وكانا أيضا من أول المؤيدين لمبادرة
تنظيم الجهادـ إلا أن وزارة الداخلية لم تفرج عنهما مثل باقى أعضاء مجلس شورى
الجماعة، أو قيادات تنظيم الجهاد، وربما يرجع السبب إلى موقفهما من قضية المشاركة
السياسية، حيث ظلا متمسكين بحقهما فى المشاركة السياسية السلمية ومعارضة نظام
الحكم، وهو أمر يختلف عن باقى قيادات الجماعة الذين خرجوا من السجن واستسلموا لكل
تعليمات الأمن خارجه، فارتضوا أن يخرجوا من "سجن صغير" إلى "سجن كبير" وهو ما لم
يوافق عليه آل الزمر.
انتهاك القانون فى قضية عبود وطارق الزمر كان صارخا
للغاية، فلم تكف الأحكام القضائية الصادرة من محاكم مختلفة بوجوب الإفراج عنهما،
ولا يخفى على أحد أن الحياة الأسرية لعبود وطارق الزمر تأثرت بشدة بسبب غيابهما
طوال هذه الفترة، فيكفى أن والدة عبود الزمر رحلت عن الحياة قبل حوالى 3 أعوام وهى
تعانى حسرة بسبب غياب ابنها وراء القضبان طوال هذه الفترة، ولم يتمكن الرجل من
المشاركة فى جنازتها، ومع ذلك كان هناك إصرار على ممارسة الحياة بشكل طبيعى، فتزوج
طارق الزمر وأنجب وحصل على الدكتوراه وهو داخل المعتقل.
تبقى الإشارة إلى أن
قصة معاناة السجينين خلف القضبان كانت تقابلها معاناة أخرى فى الخارج للسيدة أم
الهيثم زوجة عبود الزمر وشقيقة طارق الزمر، التى ظلت وراءهما طوال 30 عاما ولم تكف
عن مساندتهما بشتى الطرق، وبالتأكيد أن السعادة التى تملؤها اليوم وهما يحصلان على
حريتهما لا يمكن وصفها.