مصادر بدار الإفتاء تتحدث عن استشاطة جمال مبارك غضبا منها .. الفتوى التي لم تغفرها مباحث أمن الدولة لمفتي الجمهورية
قالت مصادر دينية رفيعة أن محاولات التشنيع على الشيخ علي جمعة من قبل
"التنظيم السري" داخل مباحث أمن الدولة كان ردا على فتواه الذي أعلن فيها
حرمة التوريث ، وكان نص الفتوى كما يلي :
اطلعنا على الطلب الوارد برقم: 1204، بتاريخ: 17/4/2008والمحال من
الإدارة العامة لشئون مجمع البحوث الإسلامية ولجانه إلى دار الإفتاء
المصرية للاختصاص بناء على توصية لجنة البحوث الفقهية بجلستها الثانية
والعشرين في دورتها الرابعة والأربعين التي عقدت يوم الأربعاء، الموافق 9
من أبريل ٢٠٠٨بإحالة الكتاب الوارد من الأستاذ مصطفى محمد أحمد بشأن حكم
توريث الحكم في الإسلام، وهل يمكن تطبيق هذا في بلاد مصر.
الجواب
من الأحكام الشرعية المقررة في علم السياسة الشرعية أن ولاية الحكم أو
الإمامة من الحقوق العامة المشتركة بين حق الله تعالى وحقوق الآدميين،
وأنها عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار على توليها، وأنها
ولاية تفتقر إلى عقد، والعقود لا تصح إلا بالقول الصريح، وأنها عقد لا يتم
إلا بعاقد، وأن الإمام لا يختص بالحق فيها وحده، وإنما هو حق المسلمين
جميعًا، كما ذكر ذلك كلَّه ونَصَّ عليه الإمام الماوردي في كتابه الأحكام
السلطانية.
وعليه فالفقه الإسلامي لا يجوز فيه توريث الحكم؛ لكون
التوريث ليس بعقد في الفقه الإسلامي، بل هو حق يثبت لمستحقه بعد موت من كان
له هذا الحق، وقد نص الفقهاء على أن التوريث لا يجري في الإمامة؛ فقال
الإمام عبد القاهر البغدادي في كتابه أصول الدين: ((كل من قال بإمامة أبي
بكر قال إن الإمامة لا تكون موروثة))، وقال ابن حزم في الفِصَل: ((ولا خلاف
بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز التوارث فيها –أي: الإمامة-)).
وإذا
كان نظام الحكم جمهوريًّا ديمقراطيًّا كما هو الحال في الديار المصرية فإن
المنظم لهذا الشأن يكون هو ما قرره دستور البلاد الذي اتفقت عليه كلمة
المصريين والذي لا يخالف الشريعة الإسلامية ولا الفقه الإسلامي، وقد نص
الدستور المصري في مادته الأولى على أن: ((جمهورية مصر العربية دولة نظامها
ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة, والشعب المصري جزء من الأمة العربية
يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة)).
ونص في مادته الثانية على أن:
((الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة
الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)).
وقد خص الدستور (نظام الحكم)
بالباب الخامس منه، وتكلم عن (رئيس الدولة) في الفصل الأول من هذا الباب،
ومما جاء فيه نص المادة (75) أنه ((يشترط فيمن ينتخب رئيسًا للجمهورية أن
يكون مصريًّا من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعًا بالحقوق المدنية
والسياسية، وألا يقل سنه عن أربعين سنة ميلادية)).
كما نص في المادة (76) على أن ((ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر ... )).
ومما
تقدم يتبين أن النظام المتفق عليه بين المصريين -والذي لا يخالف الشريعة
الإسلامية- لا يعرف توريث الحكم، ولا يعرف تولية العهد، وهي أمور تنظيمية.
كما أن الفقه الإسلامي لا يمنع ولا يفرض نظامًا معينًا لصورة الحكم، سواء
كانت هذه الصورة ملكية أو جمهورية أو أي نظام آخر يتفق عليه الناس ويحقق
مصالحهم العليا، كما أنه لا مانع فقهًا من الانتقال من نظام إلى آخر إذا
ارتضى الشعب ذلك واجتمعت عليه كلمتهم.
وفي واقعة السؤال فإن توريث الحكم لا يجوز لما فيه من خروج على الدستور والنظام المصري الذي لا يخالف الشريعة.
ومن
أراد أن يغير النظام والدستور الذي اتفقت عليه كلمة الناس، فعليه أن يسلك
الطرق المشروعة والشروط المرعية للوصول إلى اتفاق آخر تتحول إليه الجماعة
المصرية باتفاق مشروع يترتب عليه آثاره، ولا مانع بحسب الفقه الإسلامي من
تغيير الدستور إذا ارتأت الجماعة المصرية ذلك واتخذت الإجراءات والخطوات
المرعية في سبيل ذلك.
والله تعالى أعلى وأعلم
ا.د علي جمعة مفتي الجمهورية