أكد مفكرون وقضاة ونشطاء سياسيون ضرورة المشاركة في الاستفتاء الشعبي على
التعديلات الدستورية حتى وإن تم التصويت لصالح رفض هذه التعديلات، وطالبوا بإرجاء
انتخابات مجلسي الشعب والشورى حتى نهاية العام، وانتخاب رئيس الجمهورية خلال 6
أشهر، مشددين على ضرورة تأسيس جديد للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في ظل انتهاء عهد
وبداية عهد جديد.
وأكد الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية
-في سياق كلمته خلال الندوة التي نظمتها جمعية "مصر المتنورة" الليلة الماضية-
ضرورة المشاركة في الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية الذي من المقرر إجراؤه
يوم 19 مارس الجاري، لكنه دعا إلى التصويت لصالح رفض هذه التعديلات.
وأضاف
حمزاوي، أنه لا ينبغي مقاطعة الانتخابات حتى لا تفسر هذه المقاطعة بصورة خاطئة،
ولكن يجب رفض التعديلات التي قال إنها لا تحقق انتقالا ديمقراطيا آمنا، بل تعرض
مستقبل الحياة السياسية في مصر للخطر.
وأشار إلى أن مصر ليست بحاجة إلى رئيس
قوي، ولكن إلى مؤسسات قوية، لأن المشكلة أن لدينا إرثا من رؤساء أقوياء صنعوا
دساتير تناسبهم على حساب ضعف مؤسسات الدولة، وشدد على أن هناك مواد خلافية ما زالت
في الدستور القائم "دستور 71"، ولا تقدم التعديلات إجابات عليها، ومن بينها المادة
الثانية الخاصة باعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، معتبرا أنها
مادة تمييزية ليس فقط ضد المسيحيين، وإنما ضد سائر أصحاب الديانات الأخرى بخلاف
المسلمين.
ولفت حمزاوي ـالذي يعمل بتدريس العلوم السياسية بجامعة القاهرة
وكبير الباحثين بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بواشنطن وبيروتـ إلى أن الدستور وضعي
ويعتبر وثيقة رمزية تحدد شكل العلاقة بين الدولة والمواطنين، وينبغي أن تكون الأمور
واضحة فيه، داعيا إلى نقاش دستوري جديد، ومشيرا إلى إمكانية إنشاء مجلس رئاسي يتولى
إدارة شؤون الدولة في هذه المرحلة، أو أن يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة
الأمور حتى إنشاء هيئة تأسيسية تباشر انتخابات رئاسية ثم برلمانية، كما دعا إلى
نقاش مفتوح حول شكل الجمهورية الجديدة التي يريدها الشعب، سواء رئاسية أو برلمانية.
من جانبها، قالت نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشارة تهاني
الجبالي -في كلمتها خلال الندوة- إنه إذا ما تم العمل بالدستور القائم فإن وضع
المجلس الأعلى للقوات المسلحة كأداة لإدارة شؤون البلاد سيكون غير دستوري، وتساءلت،
"كيف عندئذ سيدعو هذا المجلس إلى الانتخابات؟".
وأشارت إلى أن هذا الوضع
يدخل مصر في دوامة اللاسلطة لاستكمال باقي المهام، ومن ثم دعت إلى مرحلة انتقالية
محصنة دستوريا، وإلا سيكون الخطر جسيما على الدولة، ولفتت إلى أن مصر تعيش حاليا
وضعا غير مسبوق، فالأخطر مما ترك لنا في هذا الوضع هو انهيار أدوات الدولة المصرية،
"فلأول مرة نحن بحاجة إلى إيجاد مؤسسات سريعة لإدارة شؤون البلاد، ولأول مرة تكون
هناك هذه الحالة من عدم المصداقية للسلطة
التنفيذية، ومأزق مؤسسة الأمن، وانهيار
السلطة التشريعية".
ونوهت بأنه في ظل هذه الأوضاع لم تسلم الكثير من
المؤسسات من الحملات حتى المحكمة الدستورية العليا المشهود لها بالمواقف المشرفة،
والمصنفة في المركز الثالث عالميا بتصديها للأحكام الاستبدادية، واستطاعت أن تحل
البرلمان مرتين، حيث تعرضت المحكمة للهجوم اللاذع، بل طالبت بعض الأصوات بحلها،
وإلغائها، مؤكدة أننا لا نحيا في بيئة محصنة، ونحتاج إلى وضوح
للرؤية.
واقترحت الجبالي من أجل الخروج من الوضع المتأزم حاليا إرجاء
انتخابات مجلسي الشعب والشورى حتى نهاية العام، ريثما تتحسن البيئة السياسية، كما
اقترحت إجراء انتخاب رئيس للجمهورية خلال ستة أشهر حتى تكون هناك مؤسسة رئاسية، ثم
تكون هناك حكومة انتقالية لها شعبية تكمل مسيرة العمل، وتعمل على تعزيز أركان
الاقتصاد.
وأشارت إلى أن الثورة المصرية لم تقم من أجل وقف دولاب العمل،
إلا أن هناك حالة ترويع لسير عجلة الإنتاج والأعمال، وهذا هو الأخطر، مؤكدة أهمية
دور مؤسسة الأمن في هذه العملية، لأنه لا انتخابات بدون أمن، ومن حق المؤسسة
الأمنية أن يفسح لها المجال لممارسة دورها، موضحة أن تعطيل الدستور بعد الثورة لا
يعني تعطيل أو إلغاء الدولة ومقوماتها الأساسية، لاسيما الحقوق والحريات التي يتمتع
بها المواطن.
ومن جانبه، قال رئيس مجلس أمناء مؤسسة "المصري للمواطنة
والحوار" الدكتور سمير مرقص: إنه يميل إلى وجود دستور جديد يمكن الاتفاق فيه على حد
أدنى من المبادئ الدستورية التي لا خلاف عليها بين كل شرائح المجتمع المصري.
وأشار إلى أن البلاد تشهد ما يمكن وصفه بـ" الهجمات المرتدة" ـبلغة كرة
القدمـ من لاعبين "خارج الملعب"، أو "جهات لا نراها"، وهذا مكمن الخطورة في رأيه،
مستشهدا بما حدث في مصر على مدى الأيام القليلة الماضية من سلسلة حرائق في مباني
جهاز أمن الدولة، ثم واقعتين لهما صلة بالعلاقات الإسلامية المسيحية، بما قد يعيد
المجتمع إلى المربع رقم واحد.
ودعا مرقص إلى عدة توجهات، من بينها تأسيس
جديد للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في ظل انتهاء عهد وبداية عهد جديد، وتجديد رابطة
المواطنة بين المصريين والانتماء للجماعة الوطنية، وأن الاختلاف الديني لا يعني عدم
وجود توافق في العديد من المجالات داخل الوطن، وهذا ما يجب البناء عليه، منبها إلى
أهمية وجود دولة حديثة ذات مقومات مدنية، وهو المفهوم الذي يلقى اهتماما حتى من
الإخوان الذين تحدثوا عنها، وهو ما يرتبط بالحديث عن طبيعة السلطة والحركة في
المجال العالم على أساس وطني وليس على أساس ديني.
وقال: إنه يجب كذلك
الاهتمام بفكرة المؤسسات الحداثية التي تعتمد على الكفاءات في المحاسبة، مشيرا إلى
ضرورة الاهتمام بالمحليات في هذا الاتجاه لأن البرلمان ليس كل شيء في الدولة
الحديثة، وأن وضع الدستور ذاته ليس هو المهم، وإنما الأهم هو الإطار الفكري الذي
يسير فيه.
شارك في الندوة التي عقدت بأحد فنادق القاهرة نحو 700 شخص من
مختلف الاتجاهات، معظمهم من الشباب والفتيات.