بمجرد توقيع بوروندى على الاتفاقية الإطارية التعاونية التى أقرت تنظيما جديدا
للعلاقة المائية بين دول حوض النيل، يوم الاثنين الماضى، وادعاء تحقيق النصاب
القانونى المطلوب لسريان هذه الاتفاقية، تهافتت الشركات العالمية على بناء السدود
بدول منبع حوض النيل، ولا سيما أثيوبيا وأوغندا وكينيا، وكان آخرها السد المقام على
نهر أومو الكينى، أحد موارد نهر النيل، والواصل بأثيوبيا.
وتعليقا على هذه
الخطوات السريعة التى اتخذتها دول المنبع، قال الدكتور زكى البحيرى الخبير السياسى
فى الشئون الأفريقية إن أثيوبيا هى الدولة الأولى والوحيدة المتبنية للاتفاقية
الإطارية الجديدة لحوض النيل، مضيفا "الجمهورية الأثيوبية تعارض مشروعات مصر منذ
القدم، وكان على رأس هذه المشروعات بناء السد العالى فى أوائل السبعينيات الذى ساعد
كثيرا فى التحكم فى تدفق المياه والتخفيف من آثار فيضان النيل وتوليد الكهرباء،
فضلا عن اعتراضها على اتفاقية عام 1959 الموقعة بين مصر والسودان، والتى مهدت
لإنشاء السد العالى، حيث قامت على الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر
والسودان".
وأكد الدكتور زكى البحيرى، لـ"الـيوم السابع" أن التحضير لاتفاقية
عام 1959 أدت إلى اللعب المبكر فى ملف النيل، حيث ضغطت أمريكا على أثيوبيا لإنشاء
سدود على أراضيها تحول دون وصول المياه إلى مصر بشكل منضبط حتى لا تتمكن من بناء
السد العالى، وعملت تنفيذ تلك السدود بالفعل فى الفترة من 17 نوفمبر 1958 وحتى
1964.
وأوضح الدكتور البحيرى أن إسرائيل تواجدت فى الصورة منذ القدم، ولكنها برز
نجمها فى الفترات المعاصرة وانتشر اسمها فى تدشين العديد من مشروعات الرى بدول منبع
حوض النيل، جنبا إلى جنب الصين وإيطاليا وروسيا.
وشدد البحيرى على أن
أثيوبيا لا تنشئ سدودها على مجرى نهر النيل الأزرق الذى يقع فى دولتها، حيث إنه
متسع بشدة ويشكل نسبة 85.8% من المياه المغذية لنهر النيل، ولكنها تنشئ السدود على
المنابع الفرعية منه التى تؤثر بالتأكيد على حصة مصر.
وأشار الخبير السياسى
فى الشئون الأفريقية إلى أن اتفاقية عام 1929 تنظم العلاقة المائية بين مصر وجميع
دول حوض النيل وتتضمن عدة بنود أهمها ألا تقام بغير اتفاق مع الحكومة المصرية أعمال
رى أو توليد قوى أو إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات من شأنها إنقاص مقدار
المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبة على أى وجه حق يلحق
ضررا بمصالح مصر، ولمصر حق الفيتو فى الاعتراض أو الموافقة على ذلك.
ونبه إلى أن
هذه الاتفاقية وقعت فى العهد الاستعمارى البريطانى، الأمر الذى يحتم على دول حوض
النيل العمل بها وفقا لما يعرف بقانون التوارث.
إلا أنه عاد ليقول إنه عندما
حال قانون التوارث دون رغبة دول المنبع فلا تعديل فى اتفاقية عام 1959، اضطروا إلى
التوصل إلى الاتفاقية الإطارية التى تعرف بـ"اتفاقية عنتيبى" نسبة إلى المدينة
الأوغندية التى وقعت فيها أربعة من دول منبع حوض النيل وهى "أوغندا، كينيا، رواندا،
تنزانيا" على بنود جديدة تحرم مصر من حقوقها التاريخية بمياه النهر وتعيد تقسيم
مياه النيل بشكل أكثر عدلا وإنصافا، على حد قولهم، وهى الاتفاقية التى وقعت عليها
بوروندى مساء الاثنين الماضى، لتحصل الاتفاقية بذلك على النصاب القانونى الذى يمهد
للتصديق عليها بعد موافقة برلمانات هذه الدول.
واوضح أن نصيب المواطن المصرى
سنويا من المياه يبلغ نحو 700 متر مكعب وهو نصيب ضعيف، الأمر الذى يهدد مصر بالجفاف
فى السنوات المقبلة إذا استمرت دول المنبع فى بناء السدود واقتطاع كميات من حصة
مصر، مضيفا "المياه تعنى الحياة أو الموت".
وحول من يتحمل مسئولية ما آلت
إليه الأمور فى إدارة ملف النيل ونتائج ذلك على مصر، قال البحيرى وبشكل قاطع إن
المسئول عن هذا الملف هى وزارة الخارجية المصرية بوزرائها المتتاليين بداية من عمرو
موسى وانتهاء بأحمد أبو الغيط أى منذ فترة التسعينيات وحتى الآن، مضيفا "على وزير
الخارجية الجديد ألا يكون مثل أحمد أبو الغيط الذى كان يتسول لحقوق مصر، وكذلك ألا
يكون مثل عمرو موسى الذى يجلجل صوته فقط ولا يحقق شيئا على أرض
الواقع".
وتابع البحيرى "على الخارجية إعادة النظر مرة ثانية فى ملف النيل
والعمل على إقامة مشروعات مشتركة بيننا وبين دول الحوض فى الطرق والمواصلات وإنشاء
السدود التى لا تؤثر على حصتنا" موضحا أنه فى هذه الحالة فقط ستعيد دول عنتيبى
النظر فى اتفاقيتهم الإطارية.
وردا على ما قيل بشأن أن دولة الجنوب السودانى
الجديدة ستكون الملاذ الأخير لمصر، بعد الاعتراف بها كدولة مستقلة فى يوليو المقبل،
وبالتالى سيصبح دول حوض النيل 11 وليس 10 الأمر الذى يستوجب ضرورة الوقوف عن العمل
باتفاقية "عنتيبى"، لفت البحيرى إلى أن دولة جنوب السودان ستميل إلى الانضمام إلى
دول المنبع، حتى تقف فى وجه الشمال السودانى من جهة، ولأن مصالحها مع دول المنبع من
جهة أخرى، الأمر الذى يدعيها ويعطيها الحق القانونى فى النظر فى الاتفاقيات
السابقة.
ومن جانبه، قال الدكتور عبد المعز أحمد نجم، أستاذ القانون الدولى
بجامعة عين شمس، إن القانون الدولى ينص على أنه فى حالة انفصال إقليم من الدولة عن
الدولة الأم يجب على هذا الإقليم الالتزام بالاتفاقيات الدولية السابقة التى وقعتها
الدولة أثناء وحدتها، مشددا على وجوب لجوء مصر فى أسرع وقت ممكن إلى التحكيم
الدولى.
كما أوضح الدكتور نجم أنه عندما طرحت الاتفاقية الإطارية عام 1998،
تم الاتفاق على ضرورة "توافق الآراء بشأنها" وهو مالم يحدث.