مرة أخري يواجه المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة
لحظات حرجة واختيارا صعبا بين موقف تبدو فيه كل مبررات التدخل العسكري
الدولي ضد سيادة دولة ـ لايتردد حاكمها في الابقاء علي نظامه حتي آخر قطرة
من دماء مواطنيه ـ مكتملة وقاطعة وبين محظورات تاريخية وجيوسياسية ومصالح
متشابكة تعوق حركته وتشله وفي القلب منها إدارة أمريكية تتقاذفها الرغبة في
احتضان التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية وكوابيس تدخلها العسكري
المنفرد في العراق.
الموقف تجاه مايجري في ليبيا أكثر تعقيدا مما كان
عليه الحال ضد نظام ميلوسوفيتش في صربيا عام 1999، فالتدخل حنيئذ كان قرارا
أمريكيا ـ أوروبيا نفذه حلف الأطلنطي لمنعه من ارتكاب المذابح في كوسوفا،
لكن أي قرار مماثل يجب ان يأخذ في اعتباره انه سيكون سابقة لن يكون من
السهل التهرب منها إذا تفجرت الاوضاع علي نحو مماثل في دول في منطقة الخليج
أكثر حيوية بالنسبة للمصالح البترولية الغربية، كما ان الاجماع الدولي
الضروري لتوفير غطاء لمثل هذا التحرك في مجلس الأمن سيصطدم بالتوجسات
الصينية والروسية.
والدليل علي ذلك هو حالة الاستنفار الامني التي واجهت
به بكين دعوات لم تتحقق لتنظيم مظاهرات احتجاجية في 13 مدينة صينية وتأهب
قادتها السياسيين لإدارة تطلعات اجتماعية شبابية لاتختلف كثيرا عن تلك التي
اشعلت مظاهرات الاحتجاج في المنطقة العربية.
التدخل العسكري إذن لن
يكون قابلا للتنفيذ حتي لو لم يتم التلويح به، والإجراءات الأخري المتعلقة
بوقف الامداد بالسلاح أو تجميد الاصول المالية او حظر سفر المسئولين أو
منطقة الحظر الجوي هي بطبيعتها لاتحقق نتائج سريعة ولن تكفي وحدها لاسقاط
النظام، الأكثر اهمية هو تهديد المقربين من القذافي بملاحقتهم امام المحكمة
الجنائية الدولية ودعم أي تحرك للجيش الليبي لعزله واستخدام وسائل الشوشرة
علي وسائل اتصالات المفاصل الامنية لنظامه، ليس معني هذا ان الأمم المتحدة
لا دور لها فيما يحدث في المنطقة، فتجارب التغيير في أوروبا الشرقية ودول
أمريكا اللاتينية تشير إلي ان الحكومات التي تعقب الثورات الديمقراطية عادة
ماتكون ضعيفة أو محملة بعناصر همها الأول تحقيق اهدافها الخاصة علي حساب
الأهداف التي قامت الثورات من اجلها ومن هنا تأتي أهمية الدور الدولي
الداعم لاتمام عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي والدستوري وتشكيل البنية
التشريعية والقضائية والثقافية التي تقيم مجتمعات مستقرة لاتحتاج لتدخل
عسكري خارجي أو سفك الدماء لتحقيق التغيير.