تغيرات زلزالية».. بهذا العبارة وصفت صحيفة واشنطن بوست الثورات العربية،
التى أطاحت بالرئيسين التونسى والمصرى، وربما تطيح بالزعيم الليبى، فى حين تواجه
النظم اليمنية والجزائرية والسودانية احتجاجات يمكن أن تلحقهم بنظرائهم السابقين،
فى الوقت الذى اهتزت فيه العروش الأردنية والبحرينية والمغربية من غضب الغاضبين،
فيما يرشح الكثيرون السلطة الفلسطينية للحل أو الانهيار.
ورغم وصف
الكاتب السياسى الأمريكى الهندى الأصل فريد زكريا الثورات العربية بأنها «التحرك
الشعبى العربى الأول، منذ القرن الحادى عشر»، عندما سيطرت الجيوش المغولية
والفارسية والتركية على المنطقة، فإن الكاتب المختص فى شئون الشرق الأوسط مايكل
سليكمان أبدى تخوفه فى تقريره بصحيفة نيويورك تايمز من أن تكون هذه التطورات فى
«صالح إيران وضد السعودية حليف الولايات المتحدة».
وتعتمد وجهة نظر سليكمان
على أن النظم التى تعرضت للاهتزاز هى جميعا حلفاء للولايات المتحدة، بدرجة أو
بأخرى، حيث اشترك كل من نظم الرؤساء حسنى مبارك وزين العابدين بن على وعلى عبدالله
صالح وعبدالعزيز بوتفليقة فى الحرب الأمريكية على «الإرهاب»، هذا فضلا عن التعاون
الدائم والمستمر بين الملكيات العربية وواشنطن فى جميع المجالات.
ويضيف أنه
حتى النظامين السودانى والليبى تعاونا مع الأمريكيين خاصة فى الآونة الأخيرة.
وكان الرئيس عمر البشير قد بدأ مرحلة طويلة من العلاقات الأمنية والسياسية
مع الولايات المتحدة، ظهرت بقوة فى التعاون المخابراتى فى الحرب على «الإرهاب»،
واتفاقية السلام الشامل التى أعطت حق تقرير المصير لأبناء جنوب السودان، والتى
أسفرت عن اختيارهم للانفصال بنسبة 98.7%.
أما الزعيم الليبى العقيد معمر
القذافى، فهو من أبرز الزعماء العرب الذين قمعوا الحركات الإسلامية المعتدلة
والمتشددة جميعا، كما أنه كان النظام الوحيد، الذى كشف عن برنامجه النووى، بل سلمه
مباشرة إلى الولايات المتحدة.
وتابع سليكمان أن الأمور تزداد صعوبة بالنسبة
للسعودية، التى بدأت خطة واسعة للرفاه الاجتماعى قدرت بأكثر من 100 مليار ريال،
خوفا من الغضب الشعبى مثلما هو حادث فى البحرين ذات الأغلبية الشيعية.
وتضم
المملكة أقلية شيعية كبيرة فى مناطقها الشرقية، فضلا عن أقلية أصغر عددًا من
الإسماعيلية (طائفة شيعية صغيرة) فى الجنوب، إضافة لتململ من الطبقة الوسطى
الحضرية، التى تطالب بحريات وحقوق أكثر.
ويبدو بحسب نيويورك تايمز أن
الرياض تتخوف من أن تكون محاصرة بعدم الاستقرار فى العراق وسوريا والأراضى
الفلسطينية شمالا، واليمن جنوبا، إضافة إلى غضب مكتوم تعيشه المملكتان الجارتان
الأردن والبحرين.
كل هذا يضغط على السعودية، ويزيد من نفوذ إيران، وهما
الخصمان المتنافسان على النفوذ الإقليمى، بل والإسلامى، والذى يمكن أن يتحول
صراعهما إلى نزاع طائفى شيعى سنى. لكن وعلى الرغم من ذلك كله، يقول زكريا فى مقاله
بصحيفة واشنطن بوست، إن واشنطن ومنذ عقد تقريبا بدأت تدرك أن دعمها للنظم
الديكتاتورية، هو ما أنتج التطرف الدينى، وخلقت الحركات الجهادية، التى هددت
المنطقة والولايات المتحدة نفسها، خاصة مع هجمات سبتمبر 2001.
وتابع: «يجب
أن نقدر عمل الرئيسين (جورج) بوش الابن و(باراك) أوباما على جهدهما فى المنطقة»،
الأول وضع «المشكلة السياسية للشرق الأوسط» فى قلب اهتمام السياسة الخارجية
الأمريكية، إلا أن برامجه التى لم تلق شعبية أو قبولا لم تستطع أن تنتج الكثير. فى
المقابل كان أوباما «أكثر هدوءا» من سلفه حيث «دعم الحرية، لكنه أصر على عدم فرضها
بأى طريقة».
لكن هل تقف موجة الاحتجاجات والمطالبات الشعبية عند عتبة الشرق
الوسط والعالم العربى فى القلب منه، أم تمتد إلى خارجه؟. بالفعل استعدت الحكومة
الصينية لهذا السيناريو، حيث حجبت الجزء الأكبر من أخبار الثورات العربية، وبدأت
حملة اعتقالات واسعة فى صفوف النشطاء.
لكن الرئيس السوفييتى الأخير ميخائيل
جورباتشوف حذر من تكرار «السيناريو المصرى» فى بلاده، الذى اعتبر أن نتائجه ستكون
«أسوأ» هناك. وقال جورباتشوف: «إذا استمرت الأمور كما هى الآن، اعتقد أن احتمالية
السيناريو المصرى ستنمو أكثر»، مضيفا أن نهايته هنا (روسيا) ستكون أسوأ، وهو مارفضه
الرئيس الروسى ديمترى ميدفيديف.