أصبح حزب «الحرية والعدالة» الإخوانى، حديث الناس، فى توقيت كل الأحزاب
السياسية تحلم بالوصول إلى السلطة. وما يهمنا هنا، هو التعرف بعمق على برنامج حزب
الإخوان فى جانبه الثقافى. وسبق أن تعرضنا، منذ سنة تقريبا، إلى هذه
النقطة، وهى قراءة البرامج الثقافية لدى الأحزاب السياسية، بما فيها جماعة الإخوان
المسلمين. واليوم نعيد قراءة برنامج الإخوان الثقافى الذى أعلن منذ سنوات. وقد
استبعد بعض المتخصصين فى ملف الإخوان، إجراء أى تعديلات على الجانب الثقافى من
برنامج الإخوان فى الوقت الحالى. «احتمال كبير أن تجرى تعديلات على الجانب السياسى،
خاصة بعد قيام ثورة 25 يناير»، حسب قول المتخصص
.
كانت الأسئلة المطروحة،
فى تحقيقنا، تنصب على: هل الحزب يجب أن يدور فقط فى فلك السياسة فلا يخرج إلى مجال
آخر؟، وهل الأحزاب السياسية المصرية تهتم بالثقافة فى برامجها أم تغفلها، وما
رؤيتها إلى الثقافة إن وجدت بها؟ باختصار هل الحزب من الأساس لابد أن يكون له دور
ثقافى أم دوره يقتصر فقط على المعارضة واللعب بالسياسة؟
!
للشاعر الإنجليزى
الكبير ت. س. إليوت دراسة مهمة بعنوان «ملاحظات نحو تعريف الثقافة»، أكد فيها قوة
ارتباط الثقافة بالدين، وهى فكرة لا يمكن إنكارها، ولعل رأى إليوت مناسب جدا
لاستعراض ذلك البرنامج الذى قدمته جماعة الإخوان إلى المجتمع المصرى، إذ يرى إليوت
أن الدين مكون أساسى ومهم من مكونات الثقافة، ولذلك يغيب عنا الاندهاش من اهتمام
الإخوان بالجانب الثقافى فى برنامجهم السياسى المكتوب بتوجه دينى. لكن هذا لا
يجعلنا أن نغفل مدى تخوف المثقفين المصريين من سيطرة الفكر الدينى على الحياة
الثقافية، إذ معظم التجارب الدينية تأخذ موقفا معارضا من التنوير والليبرالية حجرى
الزاوية فى الثقافية. ولم يشر من قريب أو من بعيد برنامج الإخوان إلى هذين الحجرين
.
وضع برنامج حزب الإخوان المسلمين بعض الخطوات العملية فيما يخص الجانب
الثقافى. يختلف برنامج الإخوان عن بقية الأحزاب فى توضيح رؤيته للثقافة المصرية،
فهو يربطها بالثقافة العربية والإسلامية ولا تنفصل عنهما، حيث يؤكد البرنامج فى
مبادئه وتوجهاته
.
تحت عنوان البناء الثقافى، والنهضة الثقافية، يقول
البرنامج: «إن الثقافة هى المرآة التى تعكس هوية المجتمع وقِيمِه وإرثه الحضارى.
وعند إمعان النَّظر فى خصائص الثقافة المصرية نجد أنَّها تتشكَّل فى الهوية
الإسلامية والثقافة الإسلاميَّة المعبرة عن إرث هائل من الفنون والآداب، والتى شكلت
فى مجملها الوجدان المصرى دونما تفريق بين أبناء الوطن الواحد، حيث امتدت تأثيرات
الإسلام ــ فى كل مفردات العمليَّة الثقافيَّة ــ بحيث طبعت بسماتها المجتمع المصرى
كله. وهنا علينا التأكيد على أن الحضارة الإسلامية مثلت وعاء جامعا للجماعة
المصرية، ضم ميراثه الحضارى وأعرافه وتقاليده، فى إطار القيم الإسلامية، دون إلغاء
لدور المسيحية الذى مثل مرحلة من التاريخ المصرى، ودون تذويب لتمايزات ثقافة
المسيحيين. فالبعض يتصور أن الانتماء للحضارة الإسلامية يلغى التاريخ المصرى السابق
لها، كإرث حضارى إنسانى، أو يلغى دور المسيحية فى التاريخ المصرى، أو يلغى تمايز
الهوية المسيحية لدى المسيحيين فى مصر، وكأن هناك صراعا بين الهويات أو المراحل
التاريخية. ولكننا نرى أن الحضارة الإسلامية مثلت إطارا لوحدة الأمة، إطارا يجمع
ويسمح بالتنوع، وإطارا أعاد تشكيل الميراث الحضارى للجماعة المصرية ولم يعاديه،
فأقام مرحلة حضارية جديدة، وحقق وحدة الأمة العربية ووحدة الأمة الإسلامية، وحافظ
على التنوع الداخلى وتعدد العقائد
».
ونجىء إلى خطوات البرنامج الإخوانى
العملية إذ يرى البرنامج أن هناك فروعا متعددة للتنمية الثقافية منها الترجمة
والنشر والتى تتمثل فى إنشاء مجلس أعلى للترجمة، ووضع إستراتيجية مُستقبلية شاملة
لقطاع التَّرجمة والمهن المُرتبطة بها تتصل فى جانبٍ منها بقطاعِ التربية والتعليم،
ولاسيما التعليم العالى، وإعادة النظر فى المناهج الحالية فى كليات الألسن
والترجمة، ونشر فروع هذه الكليات بالأقاليم، وغير ذلك من الإجراءات؛ لضمانِ وجود
خريجين مؤهلين على مستوى عالٍ يعملون فى هذا القطاع الحيوى والضرورى لمواجهة موجات
الغزو الفكرى وتطوير صناعة الكتاب المترجم والثقافة فى مصر
.
بعد ذلك
يتناول البرنامج «الكتاب» ويذكر أنه من المهم تطوير ودعم الكتاب كأحد أكثر أدوات
المعرفة انتشارا وأهمية، بالرغم من عصر المعلومات وثورة الاتصالات الحالية، وذلك عن
طريق الدعم المُؤسسى للنَشرِ وتوزيع الكتاب، وخاصة الكتاب العلمى، ومن ذلك دعم
الاتحاد المصرى للكتاب ونشر فروعه فى الأقاليم وتوسيع دائرة المشاركة فيه، وأن
يُعهد بتنظيم وإدارة معرض القاهرة الدَّولى للكتاب إلى اتحاد الناشرين المصريين
باعتبارها المؤسسة المدنية المعنية بهذا الأمر لخلق نوع من أنواع الاستقلالية ودعم
حرية النشر، ودعم دور النَّشر بإلغاء الرسوم الجمركيَّة، والضرائب المفروضة على
مستلزمات الطباعة والورق أسوة بمعظم دول العالم ودعم تصنيع مختلف مستلزمات طباعة
الكتاب محليا، وتبنِّى الإجراءات التى تضمن حماية حقوق الملكية الفكرية، وضمان حقوق
الناشرين المصريين فى مواجهة عمليات السَّرِقَة والتزوير، مع التنسيق بين أجهزة
الدولة التشريعية والتنفيذية لاستصدار وتنفيذ التَّشريعات واللوائح اللازمة لتحقيق
هذا الهدف. وتحت «القوالب الأدبية» طلب برنامج الإخوان إنشاء لجنة متخصصَة لدراسة
واقع الرواية والأدب عامة فى مصر، وتوجيه مسارات الإبداع الأدبى لخدمة قضايا
المجتمع، والعناية بتنظيم المسابقات لاكتشاف المواهب الجديدة، والتَّنسيق بين
الوزارات المعنيَّة فى هذا الإطار، حتى فى داخل المحافظات والوحدات المحليَّة
الأصغر، ودعم تشكيل روابط الموهوبين ورعايتهم عبر المؤسسات الثقافية للدولة
.
أما اللافت للنظر فى برنامج الإخوان فهو مطالبته بإعداد ميثاق للشرفِ الإبداعى
طبقا لقيم المجتمع وأخلاقياته وآدابه تعده لجنة من كبار المتصلين بالمسائل الأدبية،
ويتم طرحه على الساحة الأدبية لإقراره بدون تَدخل بأى صورةٍ من الصور من جانب
الدولة ومؤسساتها؛ ليكون بمثابة دستور غير مكتوب للإبداع الأدبى فى مصر يلتزم به
ضمير الأديب الإبداعى، وأجهزة الرقابة على الإبداع الأدبى
.
وتحدث البرنامج
عما يسمى بالسياحة الثقافية وهى تشجيع الندوات والمؤتمرات والمعارض، وإعادة العمل
بنظام القوافل الجماهيرية لخدمة العمل الثقافى فى المناطق الهامشية الحضرية، وكذلك
فى المناطق النائية، وربط الأطراف بالمركز، وتشجيع السياحة العلمية والدينية وسياحة
المؤتمرات
.
ولأنه برنامج سياسى ذو توجه دينى ــ كما وصفه قادة الجماعة ــ
أشار كثيرا إلى الجانب القيمى والأخلاقى فى عملية الإبداع تحت عبارة «ضوابط إدارة
الحياة الثقافية». وهنا يبرز تخوف المثقفين، الذين يرون أن المبدع فيما يبدع،
وحريته مطلقة، لا يحدها إلا ضميره. والسؤال: من الذى يستطيع أن يفكك أزمة الثقة بين
النخبة الثقافية وبين الإخوان، أو متى تخرج العلاقة بينهما من المنطقة المخيفة؟
أخيرا، ننتظر آراء المثقفين فيما يعلنه حزب الإخوان المسلمين المزمع
تأسيسه، دون إقصاء لرؤية الإخوان الثقافية، أو رفضها نتيجة التخوف المسيطر على
المثقفين من أن رافع النداءات الدينية من المستحيل أن يقدم ثقافة مبدعة تنويرية
حقيقية