يرفض المخرج يسرى نصرالله ممارسة السياسة رافعا شعار «مسيس آه.. سياسى لا»، نصرالله
الذى شارك فى أغلب الحركات الاحتجاجية بداية من عام 1972 يؤكد أن ثورة 25 يناير
كانت حلما كبيرا أعاد للمصريين روحهم بعد أن ظن الجميع أن الشعب المصرى فى ثبات
عميق لن يستفيق منه قريبا.
● ألا تتفق معى أن
المشاركة اللافتة للفنانين منذ بداية التظاهرات أثارت دهشة البعض؟
ــ
مشاركة السينمائيين والفنانين فى الثورة هو شىء طبيعى خاصة أن السينما ومنذ فترة
طويلة ــ وحتى التجارى منها ــ تتحدث عن الفساد الذى زاد عن حده وتتنبأ بانفجار
الأوضاع مما يعنى انهم كانوا الأكثر شعورا بقرب الانفجار وهناك شىء آخر يتمثل فى
أنك حتى لو لم تكن متطابقا فى وجهة نظرك مع الثورة فيجب ألا يهدر السينمائى فرصته
فى توثيق مثل هذا الحدث التاريخى وأنا شخصيا متطابق مع ما حدث مائة بالمائة فمن
الطبيعى أن يتواجد السينمائيون داخل الثورة فما يحدث هو تغيير يجب ألا يغيب عنه
السينمائيون ومشهد من مشاهد صناعة التاريخ.
● كنت ممن خرجوا منذ اللحظة الأولى للثورة فى 25
يناير.. فهل تصف لنا المشهد كسينمائى؟
ــ دعنى أصحح لك معلوماتك.. أنا
شاركت فى كل المظاهرات بمصر منذ عام ١٩٧٢، وأنزل للشارع وللمظاهرات منذ 6 أبريل
ولكن دعنى أعترف أننى عندما توجهت للمشاركة يوم 25 يناير كنت أتوقع وكالعادة 200 أو
300 متظاهر محاطين بـ30 ألف جندى من الأمن المركزى لكننى فوجئت بأعداد المتظاهرين
التى فاقت كل توقعاتى ولوهلة شعرت أننى أحلم.
● البعض
يعتبر هذه المشاركة التى تتحدث عنها مغامرة بمستقبلك المهنى فى حال فشل
الثورة؟
ــ لا.. لا توجد مغامرة من أية نوع المغامرة الحقيقية هى بعدك عن
مثل هذه الأحداث الكبيرة وأصدقك القول لم أكن أشعر أبدا أننى أغامر بمستقبلى والشىء
الوحيد الذى غامرت به ــ لو كانت هناك مغامرة ــ هو جسدى ولكنه التغيير الذى نحلم
به ويجب أن ندفع الثمن.
● هل من الممكن أن تعقد لنا
مقارنة بين الاحتجاجات المستمرة فى عصر السادات وثورة 2011؟
ــ يوجد فارق
بالطبع بين المظاهرتين.. ففى عام 1977 كنا نحتج على اتفاقية سلام أو على الطريقة
التى كان السادات يدير بها التسوية مع إسرائيل وكان عددنا قليلا مقارنة بباقى أفراد
الشعب ولكن ثورة 2011 امتازت بالتطور وبوجود وسائل اتصال حديثة والإنترنت ولم تكن
حالة المجتمع المصرى قد وصلت لدرجة الانفجار التى هى عليها وقت بداية ثورة 2011
وتمتاز ثورة 25 يناير أنها أصبحت مطلبا جماهيريا عاما وروح الإصرار على النصر وعدم
وجود كلمة هزيمة فى قاموس الثوار.
● كمخرج سينمائى ما
هو تعليقك على خطب الرئيس المخلوع حسنى مبارك؟
ــ كنت أشعر ومع كل خطاب
له أنه لا يتحدث إلينا، هو يتحدث دوما مع شعب آخر ودوما ما تكون متأخرة خاصة خطابه
الأخير الذى لم يكن موفقا على الإطلاق حتى من حيث تركيبته الدرامية، فقد فوض عمر
سليمان فى الخطاب الأخير وفى توقيت متأخر جدا كالعادة ولو كان فوضه يوم 28 فربما
كان الشعب قد صدقه لكنها خطب متأخرة ودوما تأتى بعد أن يتجاوزها الشباب.
●
أكثر شىء لن تنساه خلال أحداث الثورة؟
ــ الكثير من
الأحداث منها مثلا أننى كنت أعانى من متاعب صحية فى ظهرى وقابلت طبيبا فى هذه
التظاهرة وقام بالكشف على وكتب لى العلاج والجميل هو سقوط كل محاولات تفرقة المجتمع
المصرى وتقسيمه إلى فرق وطوائف وعادت للمصريين خفة دمهم وروحهم العالية التى
افتقدوها لفترات طويلة والتضامن الذى ظهر طوال أيام الثورة التى أيقظت أجمل ما فى
المصريين.
● لو كانت الثورة فيلما من إخراج يسرى
نصرالله.. فما هو مشهد البداية؟
ــ منذ لحظة قطع الاتصالات واضطرارك إلى
النزول للناس لتلتقيهم ومن هنا أصبح العالم أكثر حميمية، وهناك قصة الزواج التى
حدثت فى الميدان وهى بداية عبقرية لفيلم يتناول الثورة.
● ومن سيكون بطلك من بين كل هؤلاء؟
ــ كل من شارك فى هذه
الثورة أو قاومها وأنا مثلا فى أفلامى السابقة كان البطل هو المتمرد الوحيد على
المجتمع.. أما هنا فهى حالة كلها متمردون وكلهم ثائرون وهناك شخصية الأمن المركزى
الذين ألقوا ملابسهم فى النيل وتركوا البلاد ومثقفين وعمال والبطل قد يكون شخصا كان
يظن أنه سيكون بمفرده ليفاجأ بكونه متمردا وسط ملايين المتمردين.
● أعرف أنك كنت فى لجنة شعبية أمام مسكنك بالزمالك.. صف لنا هذه
التجربة؟
ــ يضحك نصرالله وهو يقول: بالفعل إننى كنت متظاهرا صباحا
وحارسا لبيتى فى المساء وللعلم أكثر الأماكن أمانا فى مصر كان هو ميدان التحرير،
خصوصا أن كل من يحيطون بك هم ممن يحملون ذات أفكارك ولكن جو الإرهاب الذى صنعه
النظام السابق أدى لتذبذب البعض لكن الأغلبية كانت واعية لما يحدث فحارس العقار
عندى ــ وهو شخص أمى ــ جاءنى وهو غاضب من شائعة الفتاة التى كذبت فى إحدى القنوات
وادعت انها إحدى المتظاهرات، مؤكدا أنها خدعة لا تنطلى على طفل ساذج.
●
فيلمك القادم سيكون عن هذه الأحداث؟
ــ لن يكون
فيلما روائيا ولكنه سيكون فيلما وثائقيا عن مرحلة إعادة إعمار وبناء مصر وبالنسبة
للأفلام الروائية فأعتقد أن زمن الحكى لم يبدأ بعد.
● هناك العديد من الفنانين الذين هاجموا الثورة.. ما تعليقك على هذا،
خصوصا مع ما ينظمه البعض من قوائم لمقاطعتهم؟
ــ أول حوار أجريته بعد
التنحى سألونى فيه عن وجهة نظرى فيمن غير رأيه من الفنانين وأنا شخص ديمقراطى أؤمن
بحرية الرأى ومن حقهم أنهم لا يعجبهم ما كنا نقوم به، ودعنا نترك الزمن فهو وحده
كفيل بتوضيح الأمور، خصوصا أنه كانت وقتها نسبة كبيرة من الخداع والتضليل فى وسائل
الإعلام.
● قد أتفق معك فيمن اكتفى بإبداء رأيه فقط لكن
هناك من دعا وحرض على إجراءات عنيفة مثل سماح انور أو اتهمهم بتهم مسيئة مثل طلعت
زكريا؟
ــ تصريحاته لا تستحق حتى الالتفات إليها ولكننى غاضب من تصريحات
سماح وأعتقد أنها قد ندمت عليها حاليا ولكننى ضد الاستبعاد وأعتقد أنه ناتج عن
فقدانهم صلتهم بعالمهم الخارجى ولم تكن انتهازية.
● من
وجهة نظرك هل تضع لنا سيناريو الأيام المقبلة؟
ــ سيناريو صعب وإعادة
البناء مهمة كبرى وملقاة على عاتقنا جميعا وخلق مؤسسات وتطهير النقابات وتعريف
أعضائها بحقوقهم وكيف يكونون فاعلين فيها وعلى الشرطة أن تصيغ علاقتها مع الجماهير
من جديد.
● هل لديك مرشح لرئاسة
الجمهورية؟
ــ لا.. أنا أنتظر برامجهم ومن خلالها سأحكم وأنتخب وأتمنى أن
يصبح لدينا دوما بطولة جماعية وأن تكون قد انتهت وبغير رجعة ظاهرة البطل
الأوحد.
● هل ستمارس العمل السياسى؟
ــ لا
أنا مسيس لكننى لست سياسيا.