قال الكاتب الأمريكى المخضرم كريستوفر ديكى إن مأساة الرئيس السابق حسنى مبارك بدأت
عندما توفى حفيده محمد ابن نجله علاء فى عام 2009. وفى التحقيق الذى أجراه عن أسباب
سقوط مبارك بمجلة "نيوزويك"، قال ديكى، نقلاً عن السفير الأمريكى السابق فى مصر
دانيال كورتزر، إن مبارك كان يشعر حقاً بأنه الوحيد الممسك بزمام الأمور. ويرى ديكى
أن قصة سقوط مبارك لا تشبه ما حدث لزين العابدين بن على فى تونس، ورغم ما تردد عن
ثروة مبارك التى قدرها البعض ما بين 40 إلى 70 مليار دولار، إلا أن عدداً من
الدبلوماسيين فى القاهرة يرون أن هذا بعيد عن الحقيقة.
ويشير الكاتب إلى أن
مشكلة العائلة الرئاسية فى مصر لم تكن الرشوة بل كانت الغرور. وعلى الرغم من
انتفاضة ملايين من الناس فى شوارع مصر، ورغم الإدانات الواسعة للتكتيكات والتعذيب
الذى استخدمته الشرطة، إلا أن عائلة مبارك ظلت مقتنعة بأن كل شىء فعله الرئيس هو فى
مصلحة البلاد، وينقل ديكى عن إحدى المقربات من سوزان مبارك، أن الأخيرة أخبرتها مع
تفاقم الأزمة فى الأسبوع الماضى "إننا سنذهب، سنرحل، لقد بذلنا قصارى
جهدنا".
أما الرجل الذى كان فى قلب القصة، يقصد ديكى الرئيس مبارك، والذى
وصفه بالبطريرك، فلم يكن يتصور أبداً أنه سيتولى الرئاسة، وعندما أصبح ذلك حقيقياً،
لم يستطع أن يتصور أنه سيتركها، وفى الوقت الذى تولى فيه مبارك الرئاسة بعد اغتيال
السادات، كانت مصر مختلفة، فكانت الحكومة تروى الأكاذيب للشعب دون أن تُسأل عنها،
وكانت الشرطة تعمل بشكل روتينى على تخويف الناس وحملهم على الخضوع، وكان التليفزيون
الوحيد الموجود هو التليفزيون الحكومى، ووسائل الاتصال بالخارج قاصرة على الاتصالات
الهاتفية.
وبالنسبة للمكالمات الدولية، فكان يتم حجزها قبلها بأيام، ومثلما أوضح
رد فعل مبارك على الاحتجاجات، فإنه لم يفهم التغيرات التى حدثت خلال 30 عاماً قضاها
هو فى الحكم.
ووصف الكاتب سوزان مبارك بأنها كانت شريكة الرئيس فى مأساة
العائلة، فابنة ممرضة ويلز الإنجليزية والطبيب المصرى تزوجت حسنى مبارك عندما كان
مقاتلاً شاباً فى القوات الجوية بينما كانت لا تزال فى السابعة عشرة من العمر،
وعندما أصبحت فى أواخر الثلاثينيات أصبح ولداها مراهقين، وزوجها نائباً للرئيس،
وسعت إلى تصوير نفسها كناشطة اجتماعية فى مصر وعلى الساحة الدولية.
وتقول
باربرا إبراهيم، من مركز المشاركة المدنية بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، إن سوزان
أذكى 10 مرات من زوجها، وتضيف أنها تمكنت من تطوير نفسها، فباعتبارها السيدة
الأولى، ساعدت فى إحضار عشرات المنظمات غير الحكومية إلى البلاد فى محاولة لتحسين
الحياة المصرية، وكانت لديها إحساس بالعالم خارج القصر أكثر من زوجها وأكثر من
حاشيته من الضباط.
أضافت باربرا، "لكن سوزان كان لديها طموحات أيضا داخل
القصر، وهى ليست سرية للغاية، فقد أرشدت ثروات أبنائها وأحفادها وسعت إلى تأسيس
سلالة سياسية كى تستمر لأجيال، فابنها الأكبر علاء، رجل أعمال يفضل كرة القدم أكثر
من لعبة السياسة، وهى الحقيقة التى أكسبته قدراً من الشعبية على مدى السنين، كاسم
كبير مشجع للمنتخب الوطنى، والابن الأصغر جمال، الوسيم المعزول كان يبدو لسنوات أنه
الوريث غير المعلن للرئاسة "لكن فى ظل ربيع العائلة عام 2009، انكشفت خطط
واستراتيجيات الأسرة، وجاءت نقطة التحول مع وفاة طفل".
ففى بداية هذا العام،
بدأ مبارك مسيطراً تماماً، أصبح هناك رئيس جديد فى أمريكا، لكن مبارك كان خبيراً فى
التعامل مع الرؤساء الأمريكيين، فقد تعامل مع أربعة منهم، جميعهم اقتنعوا أن مبارك
الوحيد فى مصر القادر على إبقاء أكبر الشعوب العربية صامتين، مع إبعاد المتطرفين
والحفاظ على السلام مع إسرائيل.
وبعد أن تحدث الكاتب عن مدى تعلق مبارك
بحفيده علاء، قال إنه تأثر بشدة لوفاته وهو ما بدا بعد أن ظهر مبارك لاستقبال
أوباما الذى جاء إلى القاهرة فى هذه الفترة، وبدا الجميع متعاطفاً معه. ويقول أحد
الأصدقاء المقربين لعائلة مبارك إنه لو كان الرئيس لتنحى فى هذا الوقتت لتوسل الناس
إليه للبقاء، لكنه لم يفعل.