[img]
[/img]
منذ بداية أول أمس، الأربعاء، الموافق الرابع والعشرين من شهر نوفمبر الجارى، نزلت من المنزل كالعادة من أجل الذهاب إلى العمل، فوجدت الأمور كما هى، الزحام يملأ الشوارع، وعوادم السيارات، وأطفال الشوارع، ووجوه البشر مليئة بالحزن والتعب وكأنها تحاكى الزمن غضباً على حالها، وغيرها من الأحوال اليومية التى اعتدنا على رؤيتها، والغريب أننا أصبحنا نراها شيئاً موروثاً لا يجب النظر إليه بنظرة تشاؤمية على حالنا وسط العديد من البلدان الأخرى.
فجأة.. عند وصولى إلى مقر عملى، وجدت الزملاء يتابعون ويغطون أحداث العمرانية، ودخول قوات الشرطة فى مواجهة ساخنة مع الأشقاء المسيحيين بسبب بناء كنيسة، وترديد البعض بأنهم قد تتحول على فتنة طائفية بين المسلمين والأقباط، ولا أعلم سبباً لماذا تم زج الإسلام فى أزمة مثل هذه، بعدها شعرت بأن هذا الأمر يبدو أنه أصبح موقفاً عادياً هو الآخر فى المجتمع المصرى، تكرر فى السابق، وسيتكرر كثيراً، ولكن حزنى يزداد بداخلى يوماً بعد يوم بسبب وصول الأمور إلى المهاترات التى تؤكد أن مصرنا قادمة على أحداث أكثر سوءً فى القريب العاجل.
فى بادئ الأمر، كنت أنوى التعمق فى كتابة مقالى فقط عن محمود عبد الرازق "شيكابالا" لاعب الفريق الكروى بنادى الزمالك، لكننى وجدتنى أتحدث عما يجول بداخلى عن حالنا وما صلنا إليه.. نعود إلى شيكابالا، تحت أى ظرف من الظروف ما فعله فى طريقة احتفاله مع جماهير ناديه بعد الفوز على فريق المصرى البورسعيدى بهدف نظيف ضمن منافسات الأسبوع الحادى عشر للدورى المحلى، أمر غير رياضى بالمرة، فى ظل تلفظه بألفاظ خارجه ضد جماهير النادى الأهلى.
أنا لست مع أى فرد يقوم بسب الآخر، مهما كانت الأسباب، وأرى له كل الحق فى أن يعلن عن استيائه من جماهير الأهلى التى دوماً ما قامت بسبه بألفاظ نابية يعاقب عليها القانون خلال مباريات القمة، يجب أن نعذره هو وأى لاعب فى هذه النقطة تحديداً، لكن فى النهاية هذه أزمة فى مجتمعنا، مثلها مثل العادات السيئة الأخرى التى يجب أن يكون وقفة حقيقية.
وأود أن أقول لشيكابالا أنت غير مخطئ لأنك مثل أطفال الشوارع.. أحد العادات السيئة لمجتمعنا التى لا نهتم بها منذ الصغر، فنحن كمجتمع مقصر فى كيفية إعداد رياضيين والتصدى للتعصب الكروى، بل ونشجعه، وتثقيف الكرويين آخر ما نفكر فيه، طبعاً الأموال وقفت حائلاً أمام هذه النقطة، بسبب ملايين شيكابالا ورفاقه، فالموازين أصبحت مقلوبة، كما أقول لشيكابالا لماذا تخرج وتصرح بأنك تتعرض للعنصرية بسبب بشرتك السمراء؟ فأنت من طين هذا البلد، ويجب أن تنظر إلى الشارع المصرى وما يحدث فيه وكيف يعيش أطفال مثل أولاد الشوارع.
كل هذا الكلام جعلنى أتذكر واقعة حدثت بالفعل فى أيام شهر رمضان من العام قبل الماضى، جعلت الدموع تنهمر من عينى، وهى تختص برجل بسيط من مدينة "طوخ" بمحافظة القليوبية – يبدو على وجهة أنه شخص محترم - ذهب إلى أحد الجزارين وطلب منه كيلو من اللحم فأعطاه الجزار إياه، وفجأة خطف الرجل اللحم وأخذ الفرار فطارده الناس بالشارع حتى أمسكوا به وتشبث الرجل باللحم وهو يردد اضربونى وقطعونى واحبسونى لكن أستحلفكم بالله أن يأخذ أحد منكم كيس اللحمة ويوصله إلى أولادى الذين لم أستطع توفير الأكل لهم بسبب الغلاء- أرئيتم لهذا الحد وصل إليه رجل كل حلمه البسيط أن يوفر لقمة عيش لـ أولاده- وحينما قال الرجل هذا الكلام أمام جموع الناس الملتفة حوله انغمرت الدموع منهم وقرر أحد الأفراد أن يدفع ثمن اللحم إلى الجزار الذى رفض هو الآخر الحصول على أية فلوس وترك الرجل يرحل إلى أولاده مُحملا بكيلو اللحم.. أين الحلول؟ أغيثونا.. هذا هو الحال لمعظم أفراد شعبنا ولا عزاء للجميع.
فى النهاية.. أعترف بتقصيرى أنا الآخر فى البدء بمحاولة ولو بسيطة من جانبى للدخول فى مبادرة لعلاج هذه العادات السيئة.. وكأنى أردد أحد رباعيات عمنا صلاح جاهين.. شاف الطبيب جرحى وصف له الأمل.. وعطانى منه مقام يا دوب ما اندمل.. مجروح جديد يا طبيب وجرحى لهيب.. ودواك فرغ منى.. وإيه العمل.. عجبى!