السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته
مدرسة قيام الليل ، وما أدراك
ما مدرسة قيام الليل ، إنها مدرسة العظماء ، والأصفياء ، التي تخرج فيها صفوة
الصفوة من الأوّلين ، والآخرين.
ولو لم يكن في قيام الليل من الفضل
إلاَّ أن الله تعالى ربط بـه تشريف محمد صلى الله عليه وسلم بالمقام المحمود ،
لكفاه شرفاً وفضلاً ، إذ قال ( ومن اللّيل فتهجـّد به نافلةً لك ،
عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محموداً ) وهي الشفاعة العظمى ، يوم
القيامة.
وقد علم العارفون أنَّ قيام الليـل مدرسة المخلصيـن ، ومضمار
السابقين ، وأنّ الله تعالى إنما يوزّع عطاياه ، ويقسم خزائن فضله في جوف الليل ،
فيصيب بها من تعرض لها بالقيام ، ويحرم منـها الغافلون و النيام
وما بلغ
عبدٌ الدرجات الرفيعة ، ولا نوَّر الله قلبا بحكمة ، إلاّ بحظ من قيام الليل
.
والسرُّ في ذلك أن العبد يمنع نفسه ملـذّات الدنيا ، وراحة البدن ،
ليتعبّد لله تعالى ، فيعوضه الله تعالى خيـرا مما فقــد .
وذلك يشمل نعمة
الدّيـن ، وكذلك نعمة الدنيـا ، ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( وأربعة
تجلب الرزق : قيام الليل ، وكثرة الاستغفار بالأسحار ، وتعاهد الصدقة ، والذكر أول
النهار ، وآخره).
وقال : ( ولا ريب أنَّ الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن
، وإذابة أخلاطه ، وفضلاته ، ما هو من أنفع شيء له ، سوى ما فيها من حفظ صحة
الإيمان ، وسعادة الدنيا ، والآخرة ، وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة ،
ومن امنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة ، ومن أنشط شيء للبدن ، والروح ، والقلب)
أ.هـ.
ولهذا لاتجد أصح أجساداً من قوَّام الليل ، ولا أسعد نفوسـا ، ولا
أنور وجوها ، ولا أعظم بركة في أقوالهم ، وأعمالهم ، وأعمارهم ، وآثارهم على
الناس.
وقـُوَّام الليل أخلص الناس في أعمالهم لله تعالى ، وأبعدهـم عن
الرياء ، و التسميع ، والعجـْب ، وهـم أشـدّ الناس ورعاً ، وأعظمهم حفظا لألسنتهم ،
وأكثرهم رعاية لحقوق الله تعالى ، والعباد ، وأحرصهم على العمل الصالح.
وذلك
أنهم يخلون بالله تعالى في وقت القبـول والإجـابـة ، إذ يقول : من يسألني فأعطيه ،
من يستغفرني فأغفر له ، فيسألون ، ويدعون ، وقد قربت أرواحهم من الله تعالى ،
وصَفَـت نفوسهم بذكره ، فيقرِّبهـم منـه ، ويُضفـي عليهم من بركاته ، ويُلقـي عليهم
من أنواره ، فيكرمهـم بالطاعات ، ويخلع عليهم لباس الصالحات .
ولهذا السبب
يُحبـَّب إليهم قيام الليل ، حتى إنهم ليحبُّون الليل ، ويشتاقون إليه ، أشد من
إشتياق العشَّاق للوصال ، وبعضهم لايعـدّ النهار شيئا ، ويريده أن ينقضي بأيّ شيء
حتى يأتيه الليـل ، ليخلوا بالله تعالى ، فيجد في ذلك الوقـت ، كلّ سعادته ، وغاية
لذته ، ومنتهى راحته .
ولهذا لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدع قيام
الليل قـطّ ، بعد أن أمره الله به ، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( ولم
يكن يدع قيام الليل حضرا ً، ولا سفرا ً، وكان إذا غلبه نـوم ، أو وجع ، صلّى من
النهار ثنتي عشرة ركعة ، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : في هذا دليلٌ على أنَّ
الوتـر ، لا يقضى لفوات محله ، فهو كتحية المسجد ، وصلاة الكسوف ، والإستسقاء ،
ونحوها ، لأنَّ المقصود به أن يكون آخر صلاة الليل وتراً ، كما أن المغرب آخر صلاة
النهار ، فإذا انقضى الليل ، وصليت الصبح ، لم يقع الوتر موقعه ، هذا معنى كلامه)
.
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل
، فجاء في فضله من الأحاديث جملة مباركة ، منهـا :
عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة
الليل) رواه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن خزيمة في
صحيحه
وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه ،قال : ( أول ما
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، انجفـل الناس إليه ، فكنت فيمن جاءه ،
فلمّا تأمّلت وجهه ، واستبنته ، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، قال : فكان أول ما
سمعت من كلامه ، أن قال : أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا
الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ) رواه
الترمذي
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِراً فَيَتَعَـارّ
مِنَ الّليْلِ ، فَيَسْأَلُ الله خَيْراً مِنَ الدّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاّ
أَعْطَـاهُ إِيّـاهُ ) . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وهو حديث صحيح .
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، قال : ( قام
النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه ، فقيل له : قد غفر الله لك ما تقدم من
ذنبك ، وما تأخر ، قال : أفلا أكون عبدا شكورا ) رواه البخاري ومسلم
والنسائي
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : ( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، وأحب
الصيام إلى الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ويصوم
يوما ، ويفطر يوما)
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن
ماجه
وعن جابـر رضي الله عنــه قال سمعــت رسول الله صلـى الله عليه
وسلم يقول: ( إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم ، يسأل الله
خيرا من أمر الدنيا ، والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة) رواه
مسلم
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه ، عن رسول الله صلـى الله عليه
وسلـــم قال : ( عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ،
وقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم) رواه
الترمذي
وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال : (
جاء جبريل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ،
واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعلم أن شرف المؤمن قيام
الليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ) رواه الطبراني والحاكم وقال صحيح الاسناد
ووافقه الذهبي وحسنه الهيثمي والألباني في السلسلة الصحيحة
وعن أبي
الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة
يحبهم الله ويضحك إليهم ، ويستبشر بهم ، الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله
عز وجل ، فإما أن يقتل ، وإما أن ينصره الله عز وجل ، ويكفيه ، فيقول : انظروا إلى
عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه ؟ والذي له امرأة حسنة ، وفراش لين حسن ، فيقوم من الليل
فيقول يذر شهوته ، ويذكرني ولو شاء رقد ، والذي إذا كان في سفر ، وكان معه ركب ،
فسهروا ، ثم هجعوا ، فقام من السحر في ضراء ، وسراء ) رواه الطبراني في
الكبير بإسناد حسن
وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال :
( عجب ربنا تعالى من رجلين ، رجل ثار عن وطائه
، ولحافه ، من بين أهله ، وحبه ، إلى صلاته ، فيقول الله جل ، وعلا ، انظروا إلى
عبدي، ثار عن فراشه ، ووطائه من بين حبه ، وأهله ، إلى صلاته ، رغبة فيما عندي ،
وشفقة مما عندي ، ورجل غزا في سبيل الله ، وانهزم أصحابه ، وعلم ما عليه في
الانهزام ، وما له في الرجوع ، فرجع حتى يهريق دمه ، فيقول الله : انظروا إلى عبدي
، رجع رجاء فيما عندي ، وشفقة مما عندي ، حتى يهريق دمه) رواه
أحمد
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه ، إلى الطهور
، وعليه عقد ، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة ، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة ، وإذا مسح
رأسه انحلت عقدة ، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة ، فيقول الله عز وجل للذين وراء
الحجاب ، انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ، يسألني ، ما سألني عبدي هذا ، فهو له
) رواه أحمد ، وابن حبان في صحيحه ، واللفظ له
وعن عبد الله بن أبي
قيس رضي الله عنه قال : قالت عائشة رضي الله عنها : ( لا تدع قيام
الليل ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه ، وكان إذا مرض ، أو كسل ،
صلى قاعدا ) رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه
وعن طارق بن شهاب : (
أنه بات عند سلمان رضي الله عنه لينظر ما اجتهاده ، قال فقام يصلي من آخر الليل ،
فكأنه لم ير الذي كان يظن ، فذكر ذلك له فقال سلمان حافظوا على هذه الصلوات الخمس ،
فإنهن كفارات لهذه الجراحات ، ما لم تصب المقتلة ، فإذا صلى الناس العشاء ، صدروا
عن ثلاث منازل ، منهم من عليه ، ولا له ومنهم من له ، ولا عليه ، ومنهم من لا له ،
ولا عليه ، فرجل اغتنم ظلمة الليل ، وغفلة الناس ، فركب فرسه في المعاصي ، فذلك
عليه ، ولا له ، ومن له ، ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة الليل ، وغفلة الناس ، فقام
يصلي ، فذلك له ، ولا عليه ، ومن لا له ، ولا عليه ، فرجل صلى ثم نام ، فلا له ،
ولا عليه ، إياك والحقحقة ، وعليك بالقصد ، وداومه ) رواه الطبراني في الكبير
موقوفا.
والحقحقة السيبر الشديد ، حتى تعطب راحلته ، فلا يبلغ
مراده
وعن فضالة بن عبيد ، و تميم الداري رضي الله عنهما ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : ( من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار ،
والقنطار خير من الدنيا ، وما فيها ، فإذا كان يوم القيامة يقول ربُّك عز وجل ،
اقرأ وارق بكل آية درجة ، حتى ينتهي إلى آخر آية معه ، يقول الله عز وجل للعبد :
اقبض ، فيقول العبد بيده يا ربّ أنت أعلم ، يقول بهذه الخلد ، وبهذه النعيم
) رواه الطبراني في الكبير والأوسط
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من
قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية ، كتب من القانتين ، ومن
قام بألف آية كتب من المقنطرين ) رواه أبو داود وابن خزيمة في
صحيحه
وعن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(ما من امرىء تكون له صلاة بليل ، فيغلبه عليها نوم ،
إلاّ كُتب الله له أجر صلاته ، وكان نومه عليه صدقة ) رواه مالك وأبو داود
والنسائي