عندما طلب الرئيس السابق لنادي ليفربول تون ويليامز من بيل شانكلي مدرب نادي هودرزفيلد تاون أن يستلم راية ناديه المتعثر في الدرجة الثانية عام 1959، توجه إليه بالسؤال "كيف ستدير الفريق الأفضل في البلاد؟"، كانت إجابة شانكلي "لماذا؟ هل تخلى [المدرب] مات بازبي عن مانشستر يونايتد؟"
رغم أن هذه الإجابة كانت على سبيل المزاح، لكنها تعكس أن بينما تأسس ناديا ليفربول ومانشستر يونايتد في القرن التاسع عشر، لم تشتد الخصومة الكروية بين الفريقين إلا بعد تعيين شانكلي وصعود ليفربول إلى الدوري الممتاز. وبحلول العام 1959، كان الناديان قد تقاسما بينهما عشرة ألقاب. نجح شانكلي في إبعاد فريقه الجديد عن الدرجة الثانية عام 1962 وفي غضون سنتين تمكن من اقتناص لقب بطولة الدوري الأهم في البلاد. لم يتأخر رد الشياطين الحمر واستعادوا اللقب في الموسم التالي.
وإذا استعملنا آلة الزمن وتخطينا السنوات اللاحقة وصولاً إلى عام 2012، نجد أن ليفربول ومانشستر يونايتد حصدا 37 لقباً. يعتبر هذا إنجازاً استثنائياً، وبخاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار أن مجمل أندية لندن حصدت 19 لقباً.
أي أن ليفربول واليونايتد يعتبران من أكبر أندية العالم وأكثر نجاحاً، ويتصارعان لاقتناص لقب أفضل الفرق الإنجليزية على مرّ التاريخ. فبينما سيطر ليفربول على عالم المستديرة الساحرة الإنجليزية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، قام اليونايتد بالمثل في العقدين التاليين. وبينما يُشير جمهور ليفربول إلى تمكن الفريق من حصد خمسة ألقاب في كأس أوروبا، يحتفي جمهور مانشستر يونايتد العريض بأنه ومع الأخذ بعين الإعتبار لقب الموسم الماضي، تخطى فريقهم خصمه اللدود من حيث البطولات التي فاز بها والتي بلغت 19 مقارنة بـ18 لفريق مقاطعة ميرسيسايد.
جذور الخصومة
لا يمكن تبسيط الأمر والقول أن هذا الصراع الكروي الكلاسيكي يعود فقط لفترة النجاحات التي تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية. بل يتعلق الموضوع بقصة مدينتين لا تبعدان عن بعضهما أكثر من 30 ميلاً ولكنهما مختلفتان إلى حدٍّ كبير. وعن ذلك قال لاعب خط الوسط السابق في مانشستر يونايتد والمنتخب الإنجليزي لي شارب: "ليس الأمر مجرد ناديين، بل إنه ذو صلة بمدينتين، وتاريخ مذهل، ناديين يظن كلٌّ منهما أنه الأعظم شأناً في العالم، ولهذا فإن للموضوع علاقة بالكبرياء والأنفة."
كان الصراع على التفوق في مجال تجارة القطن في القرن الثامن عشر هو الذي استهل الخصومة. بالنسبة إلى مدينة ليفربول، وبفضل إنشاء حوض السفن الأول في المملكة المتحدة، أصبحت من الموانئ الرائدة في العالم. أما في مدينة مانشستر، وبفضل الثورة الصناعية، استقطبت المصانع في المدينة تجارة القطن لتصبح القلب الصناعي للبلاد ويسود مجالا التصنيع والتجارة.
تحولت مانشستر إلى مركز رائد للإنتاج، إلا أن المواد الأولية كانت يتم جلبها من ليفربول. فرضَ ميناء ليفربول رسوماً باهظة على استيراد المواد الأولية التي كانت وجهتها النهائية مصانع القطن في مانشستر وهو ما جعل الأخيرة ترد على ذلك عندما قررت تجاوز ليفربول وتشييد قناة مانشستر للشحن البحري، وهو ما جعلها قادرة على استيراد البضائع مباشرة إلى مدينة سالفورد المتاخمة ونجحت في تجنب رسوم الإستيراد. وحالما تم افتتاح القناة عام 1894، اشتد التنافس الأزلي بين المدينتين.
يتمثل هدفي بتقديم أداء جيد عند مواجهتهم وقلب الطاولة عليهم. من الصعوبة بمكان بالنسبة لي أن أسير عكس التاريخ.
السير أليكس فيرجسون
حكايات وأساطير
بعد عام على افتتاح قناة مانشستر للشحن البحري في 12 أكتوبر/تشرين الأول 1895، التقى ناديا ليفربول ونيوتون هيث (اللقب السابق لمانشستر يونايتد) للمرة الأولى على ملعب أنفيلد. فاز ليفربول بنتيجة 1-7، وهو الفوز الأكبر على مدى السنوات الـ117 اللاحقة.
وتقابل الفريقان في ملعب ويمبلي العريق عام 1977 في نهائي بطولة كأس الإتحاد الإنجليزي للمرة الأولى وكان يدير دفة ليفربول بوب بايزلي بينما كان المخضرم تومي دوكرتي يدرب اليونايتد. وتمكن الشياطين الحمر في تلك المناسبة من الفوز بنتيجة 2-1 بفضل هدفين سجلهما المتألقان ستوارت بيرسون وجيمي جرينهوف، بينما اقتنص هدف ليفربول اليتيم جيمي كيس. والتقى الفريقان مجدداً في نهائي كأس الإتحاد الإنجليزي عام 1996، وكان الفوز من نصيب اليونايتد أيضاً وذلك بفضل هدف واحد شهدته المباراة وأتى بتوقيع إريك كانتونا. إلا أن ليفربول فاز باللقاءين اللذين جمعا الفريقين في نهائي كأس الدوري بين عامي 1983 و2003.
وفي مارس/آذار 2009، تواجه الخصمان اللدودان على ملعب أولد ترافورد في الدوري الإنجليزي الممتاز، في وقت كانا يحاولان ضمان اقتناص اللقب. كان اليونايتد السباق في التهديف من ركلة جزاء ناجحة عبر كريستيانو رونالدو، إلا أن فرناندو توريس عادل النتيجة، ثم تمكن ستيفن جيرارد من تحقيق التقدم للحمر قبيل انتصاف المباراة. وبفضل هدفين رائعين من فابيو أوريليو وأندريا دوسينا، ظفر ليفربول بنصر مؤزر بأربعة أهداف لهدف لتكون هذه الهزيمة الأثقل في تاريخ السير أليكس فيرجسون في عقر داره ملعب أولد ترافورد. إلا أنه كان للشياطين الكلمة الفصل في ذلك الموسم عندما نجحوا في اعتلاء منصة تتويج الدوري للسنة الثالثة على التوالي.
الخصومة اليوم
مع النجاحات العريضة التي حققها الطرفان، تدهورت العلاقة بين الناديين على مدى السنوات الخمسين الأخيرة رغم الإحترام الكبير الذي كان بازبي وشانكلي يكنانه لبعضهما. حيث سبق للثاني أن وصف الأول بأنه "المدرب الأفضل على الإطلاق"، بينما أعرب بازبي عن حزنه العميق عندما عرف بنبأ وفاة شانكلي عام 1981 ورفض تلقي أي مكالمات هاتفية من الصحفيين الذين كانوا يريدون معرفة ردة فعله.
لطالما كنت أحترم لاعبي مانشستر يونايتد. إنهم يشكلون فريقاً ممتازاً، مثلنا، ويجب أن يكنّون الإحترام لنا أيضاً.
جيمي كاراجر
وفي الحقيقة فإن الإنتقال المباشر الأخير بين الناديين جرى عندما كان هذين المدربين على رأس عملهما. كان ذلك عندما غادر فيل تشيسنال أولد ترافورد إلى أنفيلد عام 1964، وقد علق على ذلك قائلاً: "لم يقل أي شخص أي شيء حول الإنتقال، وتم استقبالي بشكل جيد عندما عدتُ إلى مدينة مانشستر في صفوف ليفربول."
ويتناقض ذلك تماماً مع الإنتقال الذي كان مطروحاً لجابرييل هاينز إلى ليفربول عام 2007 عندما رفضت إدارة مانشستر يونايتد السماح له بالإنضمام إلى الخصم اللدود. وبعد أن تحدث اللاعب علناً عن رغبه بالإنتقال إلى ليفربول وبعد مشاورات مع محاميي الفريقين، انتقل هاينز في النهاية إلى ريال مدريد.
وشهدت السنوات الأخيرة بعض المشاكل داخل المستطيل الأخضر وعلى المدرجات. ففي عام 2006، تم تغريم جاري نيفيل من قبل الإتحاد الإنجليزي للعبة بسبب عدوه لأكثر من 50 متراً احتفالاً بفوز اليونايتد أمام جماهير ليفربول. بينما مُنع لويس سواريز من اللعب ثماني مباريات بعد أن توجه بإساءة عنصرية لباتريك إيفرا عندما التقى الطرفان على ملعب أنفيلد في أكتوبر/تشرين الأول 2011.
وقد يُعزا السبب في تصاعد حدة الصراع، وحتى العداوة، بين الفريقين إلى النجاحات المتتالية التي يحققها الشياطين الحمر منذ تعيين السير أليكس فيرجسون عام 1986. فقد سبق له القول أن "التحدي الأكبر بالنسبة له هو القضاء على ليفربول في عقر داره" وهو ما زاد شراسة ديربي الإخوة الأعداء.
وأضاف فيرجسون: "المباراة مع ليفربول ستكون بالنسبة لي دائماً بمثابة ديربي. يعود السبب في ذلك إلى التاريخ. عندما قدمتُ إلى النادي، كان ليفربول يعتبر ملك الكرة في إنجلترا. فقد فازوا بأربعة كؤوس أوروبية وعدد من ألقاب الدوري. يتمثل هدفي بتقديم أداء جيد عند مواجهتهم وقلب الطاولة عليهم. من الصعوبة بمكان بالنسبة لي أن أسير عكس التاريخ."
لكن الحق يُقال إن المواجهات بين ليفربول ومانشستر يونايتد تجسّد جوهر كرة القدم الحقيقي: الفخر والشغف والإرادة للفوز. واثنان من نجوم الفريقين، جيمي كاراجر و رايان جيجز يعكسان أن شراسة الخصومة الكروية لا يجب أن تحيد النظر عن الإحترام المتبادل.
حيث قال مدافع ليفربول كاراجر: "لطالما كنت أحترم لاعبي مانشستر يونايتد. إنهم يشكلون فريقاً ممتازاً، مثلنا، ويجب أن يكنّون الإحترام لنا أيضاً. ليسوا مملين ولا يتّصفون بالعناد. في صفوف اليونايتد، لا يوجد أي لاعب يمكنني أن أقول عنه ’يا إلهي، إنني أكره هذا الشخص!‘"
أما نجم الشياطين الحمر جيجز، فقد قال عن الموضوع نفسه: "أعتقد أنني لطالما أظهرتُ الإحترام الواجب لليفربول والتاريخ الذي يتمتع به النادي ومدى عظمته. لكني أدرك جيداً في الوقت نفسه أنه أكثر الفريق أستمتع بهزيمته."