من آيات صدق النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته، وعظيم بركاته، أنه صلى الله عليه وسلم كان يبارك على الطعام القليل فيصبح كثيراً جداً، حتى إن طعام رجل واحد كان يكفي سبعين رجلاً، وطعاماً لا يكفي إلا خمسة يطعم ألفاً ويشبعون، وهذا قد وقع ببركة النبي صلى الله عليه وسلم مراراً وتكراراً، وهذه الآية المبصرة دليل عظيم من أدلة النبوة، فإن هذه الآية تفارق السحر، ولا يتطرق إليها وهم أو ظنون. أما مفارقتها للسحر فإن الساحر لا يقلب الأعيان، ولا يغير الحقائق، ولا يجعل القليل كثيراً، ولا يعمل في النفع والخير، وليس لعمله بركة في الدنيا ولا في الآخرة، بل {يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم}.
وأما جعل طعام قليل لا يكفي عشرة من الناس طعاماً كثيراً مباركاً هنيئاً مريئاً يكفي الجيش كله وهم ألوف، فإن هذا يستحيل أن يكون سحراً، لأن تكثير الطعام خرق للعادة وتبديل للأعيان، فحقيقة القلة غير حقيقـة الكثرة، والإنسان الجائع لا يشبع من فراغ، فإذا شبع بطعام فلا بد وأن يكون ما أكله طعاماً حقيقياً حصل به الشبع، وهذا العمل في ذاته من أعمال الخير والبركة، وهو يفارق أعمال السحرة والكهنة فإنهم لا يعملون إلا في الشر والنقص والخبال والظلم.
وهذا سرد لبعض الوقائع في هذا الصدد:
(1) النبي صلى الله عليه وسلم يطعـم المهاجرين والأنصار جميعاً يوم الخندق من عناق واحدة وصاع من شعير:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا عبدالواحد بن أيمن عن أبيه قال أتيت جابراً رضي الله عنه فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة (الكدية: الصخرة العظيمة) فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق. فقال صلى الله عليه وسلم: [أنا نـازل]، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، فأخـذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول، فضرب في الكدية فعاد كثيباً أهيل أو أهيم، فقلت: يا رسـول الله أئذن لي إلى البيت. فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما كـان في ذلك صبر فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم بالبرمة (البرمة: قدر يكون أسفله أوسع من أعلاه)، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر(أي اختمر) والبرمة بين الأثافي (الأحجار التي يحمل عليها القدر) قد كادت أن تنضج فقلت: طُعَيْمٌ لي فقم أنت يا رسـول الله ورجلٌ أو رجلان. قال: [كم هو؟] فذكرت له. فقال صلى الله عليه وسلم: [كثير طيب. قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي]. فقال صلى الله عليه وسلم: [قوموا!!] فقـام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم!! قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقالت: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمر (أي يغطي) البرمة (أي يغطيها) والتنور إذا أخـذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية. قال صلى الله عليه وسلم: [كلي هذا أو اهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة] (أخرجه البخاري 7/395، ومسلم 3/1610)
وفي رواية أخرى قال البخاري رحمه الله: حدثني عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان، أخبرنا سعيد بن ميناء قال: سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: لما حفر الخندق، رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء، فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً، فأخرجت إليّ جراباً فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن فذبحتها، وطحنت الشعير، ففرغتْ إلي فراغي (يعني لما فرغ هـو من الذبح وسلخ الشاة فرغت امرأته من طحن الشعير وعجنه) وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه!! فجئته فساررته فقلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا، وطحنا صاعاً من شعير كـان عندنا فتعال أنت ونفرٌ معك. فصاح النبي صلى الله عليه وسلم: [يا أهل الخندق إن جابـراً قد صنع لكم سوراً، فحَيَّ هلاً بكم]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا تُنْزِلُنَّ برمتكم، ولا تخبزن عجينكم، حتى أجيئ]. فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت: بِكَ وبِكَ، فقلت: قد فعلت الذي قلت!!
فأخرجت له عجيناً فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: [ادع خابزةً فلتخبزْ معي، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها]، وهم ألف، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجينتنا ليخبز كما هو!!
قلت: هذا الحديث من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن إطعام ألف رجل حتى يشبعوا بعد أن أنهكهم الجوع، ومكثوا أياماً دون طعام، وهم محاصرون في الخندق في برد شديد، ويعملون في حفر الخندق ونقل التراب، تكسير الصخور.. إطعـام هؤلاء جميعاً من عنز صغير (عناق)، مع صاع واحد من شعير -وهذا طعام لا يكفي في العادة إلا نحو خمسة رجال-. ثم إن هؤلاء الألف الذين أكلوا حتى شبعوا قد تركوا برمة اللحم كما هي، والعجين كما هو، لم ينقص منه شيء... فأي دليل على إثبات النبوة، وحدوث المعجزة أعظم من هذا؟ فهذا دليل حسي مرئي اطلع عليه هـذا العدد العظيم من الناس، ولم يشاهدوا الآية فقط، بل أكلوا وشبعوا، فاشترك في إدراك هذه المعجزة كل الحواس، النظر، والسمع، واللمس، والذوق، والشم، وأدركوا كل ذلك بعقولهم وقلوبهم، وظهرت آثار بركة هذا في أعمالهم وأخلاقهم.
فمن لا يصدق بعد ذلك أن محمد بن عبدالله كان رسـول الله حقاً وصدقاً وأنه كان مباركاً حيث كان صلى الله عليه وسلم!!
(2) النبي صلى الله عليه وسلم يطعم جيش المسلمين في تبوك من بقايا أزوادهم:
قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا علي بن إسحاق، أنا عبدالله يعني ابن المبارك قال أنا الأوزاعي، قـال: حدثني المطلب بن حنطب المخزومي قال: حدثني عبدالرحمن بن أبي عمرة الأنصاري حدثني أبي، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأصاب الناس مخمصة، فاستأذن الناس رسول الله في نحر بعض ظهورهم (أي جمالهم التي يركبون عليها)، وقالوا: يبلغنا الله به، فلما رأى عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم، قال: يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا القوم غداً جياعاً أو رجالاً؟ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم فنجمعها، ثم تدعو الله فيها البركة، فإن الله تبارك وتعالى سيبلغنا بدعوتك، أو قال سيبارك لنا في دعوتك. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ببقايا أزوادهم، فجعل الناس يجيئون بالحثية (الحثية ما يملأ الكف الواحدة) من الطعام وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام فدعا ما شاء الله أن يدعو، ثم دعا الجيش بأوعيتهم، فأمرهم أن يحتثوا فما بقى في الجيش وعاءً إلا ملأوه!!! فضحك رسـول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه، فقال: [أشهد أن لا له إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقي الله عبد مؤمن بهما إلا حجبت عنه النار يوم القيامة].
وقال الإمـام مسلم رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن النضر، قال حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم، حدثنا عبيد الله الأشجعي، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير، قال: فنفذت أزواد القوم. قال: حتى هم ينحر بعض حمائلهم. قـال: فقال عمر: يا رسول الله، لو جمعت ما بقي من أزواد القـوم فدعوت الله عليها. قال: ففعل. قال: فجاء ذو البر (البر هو القمح) ببره، وذو التمر بتمره (وقال مجاهد وذو النوى بنواه). قلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء. قال: فدعا عليها حتى ملأ القوم أزودتهم. قال: فقال عند ذلك: [أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة]. (أخرجه مسلم 1/55)
(3) النبي صلى الله عليه وسلم يطعم ثمانين رجلاً من بضع أقراص من شعير:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي ولاثتني (لاثتني: أي لفت بقية الثوب حول رأسي ورقبتي) ببعضه، ثم أرسلت إلى رسـول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم، فقال لي رسـول الله صلى الله عليه وسلم: [أرسلك أبو طلحة؟] فقلت: نعم. قال: [بطعام؟] فقلت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: [قوموا!!] فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت الله ورسوله أعلم.
فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله وأبو طلحة معه فقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: [يا أم سليم ما عندك؟] فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله ففت وعصرت أم سليم عكة (قربة صغيرة يوضع فيها السمن) فأدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء أن يقول ثم قال: [ائذن لعشرة]، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: [أئذن لعشرة]، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: [أئذن لعشرة]، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: [أئذن لعشرة] فأكل القوم كلهم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً. (أخرجه مسلم 3/1612)
(4) النبي صلى الله عليه وسلم يبارك تمر جابر بن عبدالله الأنصاري حتى يوفي منه دينه!! ويبقى التمر كما هو كأن لم يؤخذ منه شيء!!:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبدان أخبرنا جرير عن مغيرة عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه قـال: توفي عبدالله بن عمرو بن حرام وعليه دين، فاستعنت النبي على غرمائه أن يضعوا من دينه، فطلب صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: [اذهب فصنف تمرك أصنافاً، العجـوة على حدة، وعـذاق ابن زيد (نوع من التمر) على حـدة، ثم أرسل إلي]، ففعلت، ثم أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء، فجلس أعلى أعلاه أو في وسطه، ثم قـال: [كِلْ للقوم!!] فكلتهم حتى أوفيت الذي لهم، وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء!!
وقال فراس عن الشعبي: حدثني جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: فما زال يكيل لهم حتى أداه، وقـال هشام بن كيسان عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه أخبره أن أباه توفي، وترك عليه ثلاثين وسقاً (الوسق ثلاثمائة صاعا، والصاع نحو كيلوين فيكون الوسق ستمائة كيلو) لرجل من اليهود فاستنظره (أي طلب منه مهلة حتى يستطيع وفاء دينه) جابر، فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم اليهودي ليأخذ تمر نخلة (بالتي) له فأبى، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها، ثم قال لجابر: [جد له فأوف له الذي له]، فجده بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوفاه ثلاثين وسقاً، وفضلت له سبعة عشر وسقاً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر بالذي كان، فوجده يصلي العصر، فلما انصرف أخبر بالفضل. فقال: أخبر ذلك ابن الخطاب!! فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله ليباركن فيها!!
(5) النبي صلى الله عليه وسلم يطعم مائة وثلاثين رجلاً من كبد شاة واحدة:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا أبو النعمان حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان عن عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي رضي الله عنه ثلاثين ومائة، فقـال النبي صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد منكم طعام فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل مشرك مشعان (ثائر الرأس) طويل بغنم يسوقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [بيعاً أم عطية؟] -أو قال أم هبة- قال: بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن (الكبد) أن يشوى، وأيم الله ما في الثلاثين والمائة إلا وقد حزَّ النبي صلى الله عليه وسلم له حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاه إياها، وإن كـان غائباً خبأ له، فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا، ففضلت القصعتان فحملناه على البعير أو كما قال.
(6) قصعة واحدة يأكل منها المسلمون من الصبح حتى المساء ولا تنقص:
قال الترمذي رحمه الله: حدثنا محمد بن بشار أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا سليمان عن أبي العلاء عن سمرة بن جندب قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نتداول من قصعة من غدوة (الصباح) حتى الليل، تقوم عشرة وتقعد عشرة. قلنا: فما كانت تمد؟ قـال: من أي شيء تعجب؟ ما كانت تمد إلا من ههنا وأشار بيده إلى السماء!!
(7) النبي صلى الله عليه وسلم يزود وفد خثعم من تمر عمر بن الخطاب ويبقى تمره كما هو:
قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا وكيع ثنا إسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد الخثعمي قال: أتينا رسـول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون أو أربعمائة نسأله الطعام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: [قم فأعطهم].
قال: يا رسـول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية. - قال وكيع: القيظ في كلام العرب أربعة أشهر-
قال: [قم فأعطهم].
قال عمر: يا رسول الله سمعاً وطاعة.
قال: فقام عمر وقمنا معه فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب، قال دكين: فإذا بالغرفة شبيه الفصيل (الفصيل ابن الناقـة الذي عمره عام وانفصل عن رضاع أمه) الرابض (أي من التمر).
قال: شأنكم، قال: فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء الله. قال: ثم التفت وإني لمن آخرهم وكأنا لم نرزأ (أي لم نصب ولم ننقص) منه تمرة. (أخرجه أحمد 4/174)
وفي رواية أخرى: ثنا بن عبيد إسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد المزني قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون راكباً أو أربعمائة نسأله طعاماً فقال لعمر: [اذهب فأعطهم]. فقال: يا رسول الله ما بقي إلا آصع من تمر ما أرى أن يقيظني (أي يكفيني القيظ وهو فترة الصيف) قال: [اذهب فأعطهم]. قال: سمعاً وطاعة. قال: فأخرج عمر المفتاح من حجزته ففتح الباب، فإذا شبه الفصيل الرابض من تمر. فقال: لتأخذوا فأخذ كل رجل منا ما أحب، ثم التفت وكنت من آخر القوم، وكأنا لم نرزأ تمرة.
(
النبي صلى الله عليه وسلم يسقي أهل الصفة جميعاً وهم نحو سبعين رجلاً من قدح واحد من حليب:
قال البخاري رحمه الله: حدثني أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث حدثنا عمر بن ذر حدثنا مجاهد أن أبا هريرة يقول: ألله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه. فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل. ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل، ثم مر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: [أبا هريرة!!] قلت: لبيك يا رسول الله. قال: [الحق!!] ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن فأذن لي، فدخل، فوجد لبناً في قدح. فقال: [من أين هذا اللبن؟] قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة. قال: [يا أبا هريرة!] قلت: لبيك يا رسول الله. قال: [الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي]!!، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته (صدقة) أرسل إليهم، وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هـذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها. فإذا جاء وأمرني فكنت أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن.
ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم ودعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت.
قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة قلت: لبيك يا رسول الله. قال: [خذ فأعطيهم فأخذت القـدح]، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروي، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروي ثم يرد القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى القوم كلهم فأخذ القـدح ثم وضعه على يده، فنظر إلي فتبسم فقال: [يا أبا هريرة]. قلت: لبيك يا رسول الله. قال: [اقعد فاشرب]، فقعدت وشربت، فقال: [اشرب فشربت]، فما زال يقول: [اشرب] حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً، قال: فأرني، فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة. (أخرجه البخاري 11/281)
(9) النبي صلى الله عليه وسلم يفجر اللبن من ضرع شاة لا تحلب!!:
قال الحاكم رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن إسحاق ثنا أبو الوليد ثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط ثنا إياد بن لقيط عن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مستخفيين (أي في الهجرة من مكة) مراً (بعبد) يرعى غنماً، فاستسقياه من اللبن فقال: ما عندي شاة تحلب غير أن ههنا عناقاً حملت أول الشتاء، وقد أخرجت وما بقى لها لبن فقال : [ادع بها]، فدعا بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح ضرعها، ودعا حتى انزلت قال: وجاء أبو بكر رضي الله عنه بمحجن فحلب، فسقى أبا بكر، ثم حلب فسقى الراعي، ثم حلب فشرب!! فقـال الراعي: بالله من أنت؟؟ فوالله ما رأيت مثلك قط؟ قال: [أو تراك تكتم علي حتى أخبرك؟] قال: نعم. قال: [فإني محمد رسول الله!!] فقال: أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ؟ قال: [إنه ليقولون ذلك!!] قال: فأشهد أنك نبي، وأشهد أن ما جئت به حق إنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي وأنا متبعك. قال: [إنك لا تستطيع ذلك اليوم. فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا].
(10) عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يرى المعجزة:
قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا أبو بكر بن عياش حدثني عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر فقال: [يا غلام هل من لبن؟] قال: قلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: [فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟] فأتيته بشاة فمسح ضروعها، فنزل لبن فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر ثم قال للضرع: [اقلص]، فقلص. قال: ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول. قال: فمسح رأسي وقال: [يرحمك الله فإنك غليم مُعَلَّم].
ثم قال الإمام أحمد رحمه الله ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بإسناده، قال: فأتاه أبو بكر بصخرة منقورة فاحتلب فيها فشرب وشرب أبو بكر، وشربت. قال: ثم أتيت بعد ذلك قلت: علمني من هذا القرآن. قال: [إنك غلام معلم]. قال: فأخذت من فيه سبعين سورة (أي أن ابن مسعود بعد أن صحب النبي صلى الله عليه وسلم تعلم سبعين سورة من النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة).
(11) تمرات لأبي هريرة يباركها الرسول فلا تفنى إلا بعد خمسين عاماً.
قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يونس حدثنا حماد يعني بن زيد عن المهاجر عن أبي العالية عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً بتمرات، فقلت ادع الله لي فيهن بالبركة. قال: صفهن بين يديه. قال: ثم دعا فقال لي: اجعلهن في مزود (المزود جراب للتمر) وأدخل يدك ولا تنثره!! قال: فحملت (أي تصدقت وحملت معي في الغزو) منه كذا وكذا وسقا في سبيل الله، ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي (الحقو: مربط الحزام من الإنسان)، فلما قتل عثمان رضي الله عنه، انقطع عن حقوي فسقط!!
وقال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا أبو عامر ثنا إسماعيل يعني بن مسلم عن أبي المتوكل عن أبي هريرة قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من تمر فجعلته في مكتل لنا، فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره أصابه أهل الشام، حيث أغاروا على المدينة (أي في وقعة الحرة).
قلت: كانت وقعة الحرة عام (63هـ)، وإسلام أبي هريرة كان قبل وفاة النبي بثلاث سنوات فلو أن حادثة التمر الذي باركه الرسول لأبي هريرة في عام إسلامه فإنه يعني أنه مكث خمسين عاماً يأكل من هذا التمر المبارك وهو لا يفنى!!
************