قال الناقد الدكتور عماد عبد اللطيف مدرس البلاغة وتحليل الخطاب بكلية الآداب بجامعة القاهرة، إن الخطاب الثالث للرئيس السابق محمد حسنى مبارك خلال الثورة راهن على تورط الشعب فى مواجهة مع الجيش، مما يعطى للنظام ذريعة للتدخل لاستعادة زمام الأمور، بدعوى فك الاشتباك بين الجيش والشعب.
وأوضح عماد عبد اللطيف فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن التفكك والتناقض والتكرار المخل والأداء الصوتى الفاتر للخطاب الثالث لـ"مبارك" تمت صياغته على هذا النحو الردئ والمستفز بقصد وتعمد تام، مضيفًا "فقد تعمد الخطاب أن يكون نرجسيًا، وأن يصرح صوريًا بالتنازل عن الصلاحيات لنائب الرئيس، وفى نفس الوقت يؤكد أن الرئيس سيظل ممسكًا بمقاليد الأمور، وأن يستخدم تعبيرات مستفزة من قبيل "شهداؤكم".
واستكمل عبد الطيف، "وأعتقد أن هدف الخطاب كان إضافة أسباب أخرى لاستفزاز الجماهير وغضبهم بدلاً من تهدئتهم، وذلك على أمل أن يتحول استفزاز الجماهير الغفيرة التى كانت تملأ ساحات مصر إلى غضب أعمى، وسرعان ما يتحول إلى عدوان، استنادًا إلى تنبؤات فيما يُعرف بسيكولوجية الحشود، وهو ما يؤكد أن النظام الحاكم كان يراهن فى ساعاته الأخيرة على أن تتورط الجماهير فى مواجهة مع الجيش تعطى للنظام ذريعة للتدخل لاستعادة زمام الأمور، بدعوى فك الاشتباك بين الجيش والشعب.
وكانت العواقب سوف تكون وخيمة لو حدث ذلك بالفعل، لكن الذكاء الجمعى للثوار المصريين، أجهض الخطاب، وتحولت مشاعر الرفض والكراهية والغضب إلى قوة "سلمية" وليست عدوانية، ووجَّه جمهور المتظاهرين طاقة الاستفزاز التى ولدتها الخطبة داخله نحو مزيد من الخطوات الإيجابية مثل محاصرة الإذاعة والتليفزيون والزحف نحو القصر الجمهورى".
وحول خطاب "مبارك" الأول، قال عبد اللطيف "الخطاب كان استمرارًا لملامح الخطاب السياسى لمبارك، وكان النظام يراهن على دفع المصريين إلى حافة الفوضى والرعب المنظم وغسل عقولهم للتمسك بمبارك ورفض أى دعوة للتغيير من خلال ربطها بالخراب والفوضى، إلا أن صمود الشريحة الأكثر صلابة وتمسكها بحلم الثورة استطاعت استنهاض المصريين من حالة الشلل العقلى والخوار النفسى التى يتركها الرعب الشامل فى النفوس".
ويؤكد عبد اللطيف "أما الخطاب الثانى، فكان بالفعل على وشك إجهاض الثورة المصرية؛ فاستخدام مبارك للبلاغة الأبوية والتلاعب النفسى والعقلى للجماهير دفع العديد للتعاطف معه، فتقديم الرئيس بوصفه أبًا للمصريين من غير المقبول التبرؤ منه ومن غير الأخلاقى والدينى فسخ هذه العلاقة، وكذلك استثارة الذاكرة الخطابية للمصريين التى تمتلئ بآلاف التلفظات التى تجعل من الرئيس نصف نبى، يفنى حياته لمصالح بلده.
واللعب أيضًا على بعض القيم الاجتماعية المصرية مثل مسألة التمسك بأرض الوطن، ورفض مغادرتها، بالإضافة للأداء البلاغى الجيد للخطبة من حيث استخدام الصوت الخافت وربط صورة المحتجين بصفات سلبية مثل غياب التعقل، والتضحية بمصالح الوطن لأهداف شخصية، ولولا معركة الجمل وما كشفته من تناقضات لخطاب مبارك لما حققت الثورة أهدافها".
وحول قدرة الشعوب على كشف كذب أو صدق الخطابات الموجهة إليهم من حكامهم، قال عبد اللطيف "باختصار أن يكون لديها عقل ناقد يمكنه من فلترة كل ما يقدم لها من خطابات، سواءً أكانت بالكلمة أو الصورة أو الحركة، وأن يكون لديها وعى بما يحقق مصلحتها بالفعل، وتثق فى قدرتها على إنتاج استجابة فعالة مضادة لكل أشكال التضليل والتلاعب والتمييز، وتتجاوز بها مرحلة التلقى السلبى إلى التلقى الإيجابى، ليتحول الجمهور من مفعول به إلى فاعل.
ويحتاج الجمهور فى هذه المرحلة إلى الوعى بطبيعة القوة التى يحوزها، والتى يستطيع أن أحسن توظيفها أن يحقق مصالحه العامة، فالوعى والثقة فى القدرة على الفعل، وإنجاز هذا الفعل وتنظيمه هى جميعًا شروط لابد من توفرها لكى يستطيع الإنسان مواجهة خطابات الخداع والتضليل، مهما بلغ انتشارها أو ارتفعت أصواتها".