حثت نافي بيلاى مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أمس
المجتمع الدولى على دعم الثورات الشعبية والإصلاحات فى العالم العربى
بوسائل ملموسة وسريعة، وذلك قبل أن تعيد الأنظمة السلطوية القائمة منذ عقود
طويلة تثبيت أقدامها، في الوقت الذى أكد فيه الرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي أن الثورات العربية تمثل بداية عهد جديد فى علاقات فرنسا مع هذه
الدول، داعيا إلي توحيد الإرادات لإنجاح هذه الثوراث لأنها يمكن أن تغوص
في العنف وتنتهي بديكتاتوريات أسوأ.
وقالت بيلاى، خلال كلمة في افتتاح
الدورة الـ 16 لمجلس حقوق الانسان في جنيف والتي تستمر لمدة شهر، إن
المجتمع الدولي يتحمل مسئولية كبيرة بشأن تقديم الدعم بالأقوال والأفعال
الصارمة والعاجلة لمساندة هذه الإصلاحات الأساسية التي لا مفر منها.
وحثت
بيلاى دول العالم على الإسراع بمساعدة المتظاهرين في مصر وتونس وليبيا
وغيرها من الدول لدعم هذه التغييرات الجديدة، قبل ظهور خطر على حقوق
الإنسان والديمقراطية من الأنظمة القديمة أو تهديدات جديدة. وأشارت إلى أن
التغييرات التي حدثت بواسطة الثورات الشعبية في العالم العربى يجب السماح
لها بتثبيت جذورها، لتجنب الرجوع إلي الديكتاتورية.
وقالت «إننا نحيي
اليوم ذكرى شهداء في ثورة الشعوب بالشرق الأوسط، إن الدورة الحالية تفتتح
في توقيت تاريخي حيث الثورات والحركات الواسعة تجتاح الشرق الأوسط حيث
تطالب بحقوق الانسان والديمقراطية، وحين صاحت الشعوب الخبز، والحرية
والكرامة الانسانية ظهر أن الشرق الأوسط يستنكر الآثار القمعية لانتهاكات
حقوق الانسان والتي تؤثر سلبا على حياتهم وكرامتهم».
ودعت مفوضة الأمم
المتحدة لحقوق الانسان إلى اليقظة بشأن الوضع في ليبيا، وسط مخاوف من القمع
العنيف للمتظاهرين هناك. وأوضحت أن استخدام القوة المفرطة من قبل العديد
من الحكومات في مواجهة الثورات غير مقبول، وأنه ليس من المقبول أيضاً
مواجهة المظاهرات السلمية بالقمع وأن الاعتداءات المستمرة والنمطية ضد
المدنيين قد ترقي إلى جرائم في ظل القانون الدولي، وأنه لابد من التحقيق في
هذه الاعتداءات وتقديم المسئولين عنها للعدالة.
وألقى عدد من الوزراء
والمشاركين في الجلسة كلمات أجمعوا فيها علي إدانة استخدام العنف والقوة
المفرطة ضد المتظاهرين خاصة عمليات قمع المظاهرات في ليبيا. ومن المقرر أن
تلقي وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون كلمتها خلال ساعات ثم وفد
مصر نائب وزير العدل د. عمر الشريف، كما يتحدث إلى المجلس وزيرا خارجية
المملكة المتحدة، وإيطاليا وكاثرين أشتون ممثلة السياسة الخارجية
الأوروبية.
ومن جانبه، قال ساركوزي، في كلمة من قصر الإليزيه حول
سياسة فرنسا الخارجية للفترة المقبلة استغرقت عشر دقائق وبثتها وسائل
الاعلام المرئية والمسموعة، إن بعض الشعوب العربية، في إشارة إلى ما حدث
في تونس ومصر، اتخذت مصيرها بيدها وأسقطت أنظمتها تطلعا للحرية
والديمقراطية.
وأضاف أن فرنسا وجميع الدول الغربية حافظت منذ أواخر عهد
المستعمرات علي العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية بالرغم من
الطابع الاستبدادي لهذه الحكومات لأنها بدت للجميع وقاية ضد التطرف الديني
والأصولية والارهاب، لكن بهذه المبادرة رسمت الشعوب طريقا آخر ما بين
الديمقراطية والحرية رفضا لجميع أشكال الديكتاتورية.
وتابع ساركوزي أن
هذه الثورات العربية بدأت عهدا جديدا في العلاقات مع هذه الدول التي نحن
قريبون جدا منها من الناحية التاريخية والجغرافية. ووصف هذا التغيير
بالتاريخي، قائلا ينبغي لنا ألا نخاف فإنه يحمل أملا كبيرا لأنه قد فعل
باسم القيم التي نعزها وندافع عنها، تلك المتعلقة بحقوق الإنسان
والديمقراطية.
وأضاف أنه للمرة الأولى في التاريخ يتحقق هذا النصر على
جميع شواطئ البحر الأبيض المتوسط، قائلا «ينبغي ألا يكون لدينا سوي هدف
واحد وهو دعم ومساعدة الناس الذين اختاروا أن يكونوا أحرارا».
وفيما
يخص مصير ثورات الحرية في العالم العربي وبين عدم تدخل يكون مقبولا
واللامبالاة التي ستكون خطأ أخلاقيا واستراتيجيا، قال «يجب أن نفعل كل شيء
ممكن حتى نحيي هذا الأمل المولود لأن مصير هذه الحركات لا يزال غير مؤكد.
وحذر ساركوزي من أنه إذا لم يتوحد كل ذوى النوايا الحسنة لمساندة هذه
الحركات لجعلها تنجح فإنها قد تغرق، مؤكدا أن العنف قد يؤدي إلى ديكتاتورية
أسوأ من سابقيها.
وعن تداعيات ما يحدث في دول المتوسط وتبعاته من
تدفق المهاجرين علي أوروبا بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة قال الرئيس الفرنسي
«نحن نعرف ما مدي العواقب المترتبة عن مثل هذه المآسي وما يتبعه من عدم
السيطرة على الهجرة والإرهاب. لذلك طلبت فرنسا من المجلس الأوروبي عقد
اجتماع لدول الاتحاد من أجل تبني إستراتيجية مشتركة لمكافحة الأزمة الليبية
التي قد تكون عواقبها ثقيلة جدا لتحقيق الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة».
وأضاف
أنه يتعين على أوروبا أن تسعى إلى اعتماد وسائل جديدة لتعزيز التعليم
والتدريب للشباب في هذه البلدان من جنوب البحر الأبيض المتوسط، ووجود تصور
للسياسات الاقتصادية والتجارية بغية تعزيز نمو هذه الديمقراطيات الفتية
التى يريدون لها أن تولد،كما ينبغي للاتحاد من أجل المتوسط، الذي تأسس
بمبادرة من فرنسا في 13 يوليو 2008 أن يعمل علي تمكين جميع شعوب حوض
المتوسط من البناء لان مصيرنا مشترك. ولقد حان الوقت لإعادة هذا الاتحاد في
ضوء الأحداث المهمة التي نعيش فيها. وستقدم فرنسا مقترحات بهذا الشأن
لشركائها الأوروبيين.
وفي الوقت نفسه، دعا وزير الخارجية الألمانية
جيدو فيسترفيله إلى إقامة تحالف شمالي- جنوبي بين الاتحاد الأوروبي ودول
شمال إفريقيا، التي تحررت من نظمها وترنو للديموقراطية، على أساس من
المساواة، مؤكدا أن ما تم التشديد عليه خلال زيارته القاهرة أن الإتحاد
الأوروبي عليه أن ينظر للشعوب العربية في المرحلة القادمة باعتبارها شريكا
على قدم المساواة لن يقبل تدخلا أو إملاءات.
وأوضح فيسترفيله أن هذا
التحالف سينجح لأنه سيحقق الفائدة للطرفين معا، فألمانيا على سبيل المثال
لن تقدم دعما في بناء هياكل الديمقراطية وبناء مؤسسات المجتمع المدني
لأسباب إنسانية وإنما ستستفيد هي أيضا من هذه الفرصة التاريخيةكما استفادت
ألمانيا الغربية من انتفاضة شعوب أوروبا الشرقية من قبل.
وقال إن زيادة
الاستثمارات الألمانية في الدول العربية وفتح الاسواق الاوروبية أمام هذه
الدول سيساعدها على تحقيق طفرة اقتصادية وتحسين أوضاعها وسيخدم هذا ألمانيا
وأوروبا لأنه سيضمن فرص عمل وتشغيل في ألمانيا التي تفتقر للمواد الخام ،
كما سيحد من تيار الهجرة غير الشرعية لأوروبا حيث تتجاوز تكلفة مواجهته
وتكلفة استيعاب المهاجرين تكلفة الاستثمارات الأوروبية في هذه الدول. ودعا
فيسترفيله الشركات الألمانية لاغتنام الفرصة فورا ودون تردد مؤكدا أن هذا
افضل استثمار لأموالها.