سيضطر الجيش للبقاء في شوارع مصر حتى تتعافى الشرطة من الضرر البالغ الذي تسببت فيه
الاضطرابات في البلاد، وهو عبء ثقيل على جيش مهمته محاربة أعداء خارجيين وليس
الجريمة.
وتمثل سرعة إعادة نشر رجال الشرطة الذين اختفوا إلى حد
كبير في الأيام الأولى للاحتجاجات أولوية لقيادة الجيش التي انتقلت إليها السلطة من
الرئيس السابق حسني مبارك، يوم الجمعة الماضي، ولكنها لن تكون بالمهمة
اليسيرة.
وأحد المهام الأبسط إصلاح مراكز الشرطة التي أحرقت خلال احتجاجات
ضد مبارك أججتها الكراهية العميقة لوزارة الداخلية التي يعمل بها أكثر من مليون
شخص.
وعاد بعض رجال المرور للشوارع، إلا أن قطاعا كبيرًا من قوة الشرطة لم
يعد لمباشرة مهامه في مواقعه. وأضرب بعض رجال الشرطة مثلما فعل كثيرون من موظفي
الدولة وسط معنويات متدنية.
وتتراجع ثقة المواطنين في القوة التي يعتقد أنها
لعبت دورًا رئيسيًّا في جهود مبارك الفاشلة لسحق الثورة.
وتواجه أجهزة
الشرطة التي ينظر إليها على أنها من الأدوات السياسية لحكومة الرئيس السابق مستقبلا
مجهولا، وساهمت ما اشتهرت به هذه الأجهزة من وحشية في التعامل مع المواطنين في
اندلاع شرارة الانتفاضة.
وربما يطهر الجيش أو يلغي أكثر الأجهزة كراهية، وهو
جهاز مباحث أمن الدولة.
وقال صفوت الزيات، ضابط جيش متقاعد وخبير في شؤون
الأمن: "سقوط النظام نقطة فارقة؛ ربما لأنه لأول مرة يمكن إعادة بناء هذه الأجهزة
الأمنية".
وسيبدأ الجيش في "إعادة هيكلة وإعادة تنظيم" قطاعات من قوات الأمن
كانت محور الغضب الشعبي وبصفة خاصة جهاز أمن الدولة.
ومع رحيل القيادة
السياسية يخشى صغار رجال الشرطة أن يصبحوا كبش فداء.
وكان حبيب العادلي،
وزير الداخلية، على مدار 13 عاما من عهد مبارك أول رأس أطيح بها. وهو حاليا ممنوع
من السفر ويخضع لتحقيق رسمي بتهم فساد.
وبدأ صغار رجال الشرطة الذين يكافحون
لتلبية احتياجاتهم بأجور هزيلة إضرابًا، مما يعقد بدرجة أكثر مهمة خليفة العادلي
محمود وجدي. وتظاهر مئات من رجال الشرطة بالزي الرسمي أو بملابس مدنية أمام وزارة
الداخلية اليوم الأحد.
وقال ياسر فرغلي، ضابط شرطة شارك في اعتصام في مركز
للشرطة، أمس السبت: "ليس لنا حقوق أو مكافآت أو أي شيء. لا نعامل معاملة إنسانية.
نعمل 12 أو 24 ساعة، وإذا لم يعجبنا نحاكم".
وعدد سبعة أقسام شرطة تنظم فيها
إضرابات في نفس اليوم، ويقلق الضباط الصغار من أن تقع على عاتقهم مسؤولية أحداث
العنف الأخيرة ومواجهة محاكم عسكرية.
وقال فرغلي: "انتهت حياتنا.. سنقدم
لمحاكمة عسكرية. بالكاد نستطيع إطعام أطفالنا".
وفي احتجاج في الاسماعيلية
يقول مجندو الشرطة -الذي يرددون نفس المطالب- للمارة، إن الضباط أصدروا إليهم أوامر
بإطلاق النار على المحتجين. وأبدى البعض تعاطفه، وقال مواطنون تابعوا احتجاجهم إن
الوقت قد حان لصياغة صفحة جديدة في العلاقات بين الشرطة والشعب.
ودعا بيان
المجلس الأعلى للقوات المسلحة الصادر أمس السبت، المصريين للتعاون "مع إخوانهم
وأبنائهم من رجال الشرطة المدنية". والتقي المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس
الأعلى مع وزير الداخلية، وناقشا الحاجة لسرعة إعادة نشر الشرطة.
وبما لديه
من موارد ستكون أحد المهام الأولى لوجدي القبض مرة أخرى على 13 ألف سجين طليق من
بين 23 ألف فروا من السجون وسط ملابسات غير واضحة في مستهل الانتفاضة. وقال وجدى
إنه أعيد القبض على عشرة آلاف.
وقال عمر سليمان الذي شغل منصب نائب مبارك
لمدة أسبوعين حتى تخلي الرئيس عن سلطاته: إن من بين المسجونين الفارين أعضاء في
تنظيم القاعدة وجماعات إسلامية متشددة أخرى.
وبعيدًا عن الاضطرابات السياسية
يفخر المصريون بمدى ما بلغته سيادة القانون والنظام بفضل الروح الشعبية وتشكيل لجان
شعبية لكبح أعمال السلب والنهب التي استشرت لأيام قليلة فقط.
وثمة مخاوف من
تبدد الحماسة التي صاحبت رحيل مبارك وتتزايد الجرائم.
وقال الزيات: "يوم
الجمعة الماضي كان هناك حوالي عشرة ملايين شخص يحتفلون في شوارع القاهرة دون أن
تكون هناك شرطة لتنظيم المرور.. دون وجود قوات أمن داخلي".
ومع مرابطة
الدبابات والسيارات المدرعة عند كل ناصية ربما يقلص الجيش من وجوده في الشارع،
وقال: "سيكون موجودًا، لكن ربما ليس بنفس الصورة".