كل الثورات التى شهدتها مصر وحتى الحركات التى لم تكتمل كان لها مطرب معبر
عن آرائها وأفكارها وداعم لأهدافها وممجد لكل انتصاراتها ورموزها منذ ثورة 1919
والتى اختارت سيد درويش مطربا لها بإرادة الشعب والثورة ورموزها وغنى لها وللشعب
أعظم أغانيه ثم دعمت أم كلثوم وعبدالحليم ثورة يوليو إلى أن برز عبدالحليم حافظ
كمطرب للثورة ورمزها الأكبر جمال عبدالناصر ومن بعدها قاد الشيخ إمام وأحمد فؤاد
نجم كل الحركات الاحتجاجية فى نهاية الستينيات والسبعينيات وكان أبرزها حركة يناير
1977 وإلى جانبهم ظهرت عزة بلبع وعدد من المطربين الذين لم يكتب لهم
الاستمرار.
يبحث أبناء ثورة 25 يناير دون قصد عن مطرب لثورتهم معبر عنهم فى وقت يعتبر
الغناء فيه أحد ملامح مقر الثورة بميدان التحرير.
وحالة الصمت التى يعيشها
المطربون حتى الآن إلا القليل منهم تزيد من حاجة الشباب للبحث عن مطرب، هؤلاء
الشباب كانوا قبل الثورة لا تفارق آذانهم سماعات الهيدفون والـ«آى بود» والإذاعات
الخاصة بالأغانى، الآن لم يعد بهذه السماعات ما يتفق مع أمزجتهم وهذا ما أكدوه لنا
بعد أن استطلعنا آراء عدد منهم.
خالد فتحى أحد المشاركين فى الثورة من اليوم
الأول ومصاب فى معركة الجمل قال «الآن لا يوجد مطرب يملأ عين الشباب الموجودين فى
ميدان التحرير لعدة أسباب ان الشباب حتى الآن لم يروا مطربا واحدا يخرج ليساندهم
ويتغنى بما يفكرون فيه..
كلهم تحولوا لحكماء وحتى الأغانى التى نغنيها
ونضعها على مكبرات الصوت كلها لمطربين ومطربات من زمن الستينيات إلى جانب الشيخ
إمام وعزة بلبع وغيرهم.
هدى سعيد من الباقين منذ اليوم الأول بميدان التحرير
تقول «الآن الموقف أكبر من الغناء، قد يظهر خلال الأيام المقبلة مطرب أو مطربة يعبر
عن الثورة وعن أفكارها ويعكس الروح التى تشاهدها فى ميدان التحرير وأتوقع ان يكون
مطربا جديدا غير الوجوه الموجودة على الساحة لأن كل الموجودين بلا استثناء غنوا
للنظام السابق وتغنوا بأفعاله وانجازاته فضلا عن ان المزاج الغنائى فى الفترة
المقبلة سيكون بعيدا عن قدرتهم الوصول إليه».
تميم فاخر أحد أبناء الثورة
قال «بصراحة لا يوجد مطرب محدد الآن ولكن أنا شاهدت المطرب أحمد سعد فى المظاهرات
وأنا أحب أغنيته»، «مش باقى منى غير شوية دم متلوثين بالهم» التى قدمت فى فيلم دكان
شحاتة واعتبرها من أكثر الأغانى التى عبرت عن الثورة بشكل حقيقى عن الوضع الذى كانت
تعيش فيه مصر ووجود أحمد سعد فى هذه المظاهرات قد يضعه فى مكانة مميزة بالنسبة
للثورة وكذلك المطرب حمزة نمرة الذى كان مشاركا فى المظاهرات أيضا وتوحد مع
المتظاهرين فى مطالبهم وكان بألبومه «احلم معايا» معبرا أساسيا عن معظم وجهات نظر
الشباب فى مرحلة ما قبل الثورة وما بعدها وكثير من أصدقائى الذين قابلتهم فى
المظاهرات كانوا يحضرون حفلات حمزة فى ساقية الصاوى».
أما ماهيناز محيى
الدين فقالت «أنا أحب شيرين عبدالوهاب وأتمنى ان تخرج علينا بأغنية عن الثورة وعن
الشباب المشارك فى هذه المظاهرات وبصراحة كنت من أكثر المتابعين لتامر حسنى ولكن من
بداية المظاهرات لم تتح لى الفرصة لسماع أى أغانى غير الأغانى التى نسمعها فى
الميدان».
المؤرخ الموسيقى وجدى الحكيم يقول لابد وان يكون هناك صوت لهذه
الثورة ليس فقط ليعبر عنها ولكن ليؤرخ لها كما فعل عبدالحليم حافظ ولكن لابد لهذا
الصوت ان يتمتع بالمصداقية وان يقنع كل الشباب برسالته الفنية بعد ان سقطت كل
الأسماء التى كانوا يطلقون على انفسهم مطربى الشباب وهضبة الشباب ونجوم الجيل الآن
لا يجرؤ أحدهم على الظهور إلى السطح لأنهم فقدوا شرعيتهم فى التعبير عن الشباب.
وما يزيد من حاجة الثورة إلى مطرب هو ما يتم عرضه الآن من أغانى تافهة
الإعلام المصرى الآن يعرض أغانى تافهة وتعبر عن غباء إعلامى يذيعون أغنية «تيجى
نبنيها» ويفردون العلم على كوبرى قصر النيل وهذه سقطة، الأعلام لا تفرد على الأرض
بل ترفرف فى السماء ويذيعون أغنية اسمها «لو كنت بتحبها» وهؤلاء الشباب اثبتوا انهم
تخطوا هذه المرحلة. الواقع ان الإعلام المصرى مضاد للثورة ولا يعبر عنها ولذلك
الشباب فى حاجة إلى من يعبر عنهم ولكن هناك أزمة فى أمرين الأول انه لا يوجد مطرب
لديه رؤية حتى الآن للتعبير عن الثورة رغم وجود أسماء كبيرة وأصوات حقيقية مثل هانى
شاكر ومدحت صالح ومحمد الحلو ولكن من المتوقع ان يظهر صوت جديد يعبر عن روح
الشباب.
الثانى لا توجد جهة إنتاج تدعم أى صوت يعبر عن الأصوات التى يمكن ان
تعبر عن الشباب. فى عهد ثورة يوليو كانت الإذاعة تدعم عبدالحليم حافظ وشركته كانت
تسهم فى إنتاج أغانيه الوطنية الآن كل المطربين والشركات يسعون للسوق وجمع الأموال
وليس للتعبير عن الشعب حتى الأغانى التى كانت تسمى وطنية طوال السنوات الماضية لم
تكن بالمستوى الذى يرقى إلى هذا المسمى.
واستطرد الحكيم أتوقع ان يخرج مطرب
جديد يعبر عن حالة جديدة من الغناء لأن هناك بالفعل عددا من الأغانى والألحان التى
تنتظر فرصة للظهور إلى النور ولكن الشركات وأصحاب الاستوديوهات لم يسمحوا حتى الآن
لأصحاب هذه الأغانى بالعمل فى انتظار ما سيسفر عنه الحدث.
وتوقع الحكيم ان
يأخذ عدد من المطربين والشعراء والملحنين الشباب مواقع مميزة على حساب الوجوه
والنجوم القديمة وان تسود الوسط الغنائى حركة جديدة وشكل جديد يتناسب مع الثورة.