[color:2afc=#666]
بدأ تقرير أذاعته فضائية الجزيرة بالآية القرآنية التي قيلت في الطاغية فرعون
:"اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية " مشبها بها الرئيس المخلوع حسني
مباركالذي لاقى مصيراً سبقه به الشهر الماضي الرئيس التونسي المخلوع زين
العابدين الذي لم يجد من الهرب بداً ونجا ببدنه تاركا مقولة: "إن الشعوب أقوى من
الطغاة متى صح فيها العزم" .
واستطرد قائلا: "إن مثل مبارك في شعبه كمثل زين العابدين، إذ قال له شعبه أصلح
فأبى أن يكون من المصلحين ألا بعدا لمبارك وبعدا لزين العابدين" قال الشعبان
الثائران .
لم يمض شهر على انتفاضة تونس حتى خرجت الثورة في مصر خروج الوردة من أكمتها
وخرجت الثورة من الحواري الفقيرة ومن أحلام العاطلين المجهضة ومن شباب الطبقة
الوسطى الذين ظنت بهم الظنون وادخروا بأدوار ليس من بينها الانشغال بالسياسة والهم
العام .
خرجت الثورة في مصر من أمة ضاقت بحاضرها وخافت من مستقبلها وفرت كثيرا إلى
ماضيها به تتعزى، أمة كان قدرها أن تكون قائدة ورائدة فرأت نفسها في ثلاثين سنة
الخالية يتراجع شأنها بين العالمين ويضج مفكروها ومثقفوها بالشكوى يقولون : ليست
هذه مصر التي نعرف.
ثلاثون عاما بدأت بلحظة خاطفة يوم قررت جامعة على طريقتها أن تصحح ما بدا لها
مسارا خاطئا أوغلت فيه البلاد فاغتالت الرئيس أنور السادات .
مبارك الذي ظل نائبا للرئيس منذ عام 1975 لم يكن يتوقع أن تكون أقداره ذلك
السخاء طالما كان في مصر الانقلابات العسكرية الكلاسيكية والحال كذلك فإن كبار
الضباط لا يحلمون بغير وظيفة دبلوماسية أو ملحقية عسكرية في بلد ما يكون بها حسن
الختام .
لكن مبارك أصبح رئيسا لجمهورية مصر العربية في أكتوبر عام 1981 ، ثلاثون عاما
كان مبارك خلالها العنوان السياسي الأوحد لمصر, لن يصبح خلالها الأصدقاء الحلفاء
سدنة الديمقراطية وحقوق الانسان في الغرب أن عشر سنين في الحكم تكفي أو أن ربع قرن
أكثر مما يطيق شعبه .
وقديما قيل إن من يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم ، لكن مبارك ثمانين كان حريصا
على السلطة ينتقل بين كل دورة حكم وأخرى انتقالا سلسا تضمنه انتخابات معلولة
وصناديق كاذبة خاطئة ، كل ذلك كان يجري باسم الديمقراطية وفي وفاء تام بمطلوباته
الشكلية .
استطاع مبارك ورجاله من الحزب الوطني أن يتوصل للصيغة السحرية لاحكام السيطرة
علي الدولة عبر جمع نفوذ السياسة بنفوذ المال لتبدأ دورة التهميش السياسي للشعب
وللأحزاب ولتنظيماته المدنية , ولأن شرط السيطرة علي السلطة في ذهن حاكم يعتقد أن
التداول عليها يتم بينه وبين الموت أو بينه وبين أبنه فقد تفنن في نظام حكمه لاضعاف
المعارضة وارهابها فابقي مبارك علي قانون الطوارئ الحاكم للبلاد منذ عام 1981 وهو
قانون مقيد للتعبير السياسية .
وتحولت مجالس الشعب حيث يفترض أن تقع الرقابة الاداء التنفيذي بالاضافة الي
النهوض بالمهام التشريعية ألي مسرح لاستعراض صفوة الحزب الحاكم حيث لا مكان لصوت
الشعب في مجلس الشعب .
ولم تكن ملاحظة التعديلات الدستورية في 2007 فقط لأنها تقيد الأحزاب بألف قيد
وتحول بينها وبين التمثيل النيابي ولكنها كانت أيضا تمهد الطريق أمام جمال مبارك
لخلافة والده .
وكانت حصيلة الثلاثين عاما من حكم مبارك أن ضعفت السياسة وافتقر المواطن والوطن
فاتسعت أحزمة الفقر وتزايدت جيوش العاطلين وانسدت الأفاق في وجه الملايين من
المصريين الذين وجدوا أنفسهم تحت خط الفقر .
وقد تورطت مصر في عهد مبارك علي الدعم الدولي خاصة الأمريكية حتي أصبح بند ثابت
في الميزانية وهو ما تأذي منه المصريون الذين كانوا يروا أنه نقص من كرامتهم
ووطنيتهم .
وكانت مصر علي عهد مبارك قد أصبحت حالة صارخة في ادمان العون والعطايا الدولية ,
كما دفعت مصر في عهد مبارك أثمان باهظة في السياسة وتحولت من جراء ذلك الي مقاول
سياسي معتمد لعملية السلام ولكنها غير منتجة للسلام .
كما تراجعت مصر وخلال 30 سنة من عهد مبارك عن دورها القومي واختفت أحلام المواطن
المصري في التقدم والرفاهية والحرية والديمقراطية والتي لم ينل الشعب منها أي شئ
.